أما التفصيل فهو أن ينظر في السبب الباعث له على الغيبة فإن علاج العلة بقطع سببها وقد قدمنا الأسباب .
أما الغضب فيعالجه بما سيأتي في كتاب آفات الغضب وهو أن يقول إني إذا أمضيت غضبي عليه فلعل الله تعالى يمضي غضبه علي بسبب الغيبة إذ نهاني عنها فاجترأت على نهيه واستخففت بزجره وقد قال A إن لجهنم بابا لا يدخل منه إلا من شفى غيظه بمعصية الله تعالى // حديث إن لجهنم بابا لا يدخله إلا من شفى غيظه بمعصية الله أخرجه البزار وابن أبي الدنيا وابن عدي والبيهقي والنسائي من حديث ابن عباس بسند ضعيف // .
وقال A من اتقى ربه كل لسانه ولم يشف غيظه // حديث من اتقى ربه كل لسانه ولم يشف غيظه أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث سهل بن سعد بسند ضعيف ورويناه في الأربعين البلدانية للسلفي // .
وقال A من كظم غيظا وهو يقدر على أن يمضيه دعاه الله تعالى يوم القيامة على رءوس الخلائق حتى يخيره في أي الحور شاء // حديث من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه من حديث معاذ بن أنس // وفي بعض الكتب المنزلة على بعض النبيين يا ابن آدم اذكرني حين تغضب اذكرك حين أغضب فلا أمحقك فيمن أمحق .
وأما الموافقة فبأن تعلم أن الله تعالى يغضب عليك إذا طلبت سخطه في رضا المخلوقين فكيف ترضى لنفسك أن توقر غيرك وتحقر مولاك فتترك رضاه لرضاهم إلا أن يكون غضبك لله تعالى وذلك لا يوجب أن نذكر المغضوب عليه بسوء بل ينبغي أن تغضب لله أيضا على رفقائك إذا ذكروه بالسوء فإنهم عصوا ربك بأفحش الذنوب وهي الغيبة .
وأما تنزيه النفس بنسبة الغير إلى الخيانة حيث يستغنى عن ذكر الغير فتعالجه بأن تعرف أن التعرض لمقت الخالق أشد من التعرض لمقت المخلوقين وأنت بالغيبة متعرض لسخط الله يقينا ولا تدري أنك تتخلص من سخط الناس أم لا فتخلص نفسك في الدنيا بالتوهم وتهلك في الآخرة وتخسر حسناتك بالحقيقة ويحصل لك ذم الله تعالى نقدا وتنتظر دفع ذم الخلق نسيئة وهذا غاية الجهل والخذلان .
وأما عذرك كقولك إن أكلت الحرام ففلان يأكله وإن قبلت مال السلطان ففلان يقبله فهذا جهل لأنك تعتذر بالاقتداء بمن لا يجوز الاقتداء به فإن من خالف أمر الله تعالى لا يقتدي به كائنا من كان ولو دخل غيرك النار وأنت تقدر على أن لا تدخلها لم توافقه ولو وافقته لسفه عقلك .
ففيما ذكرته غيبة وزيادة معصية أضفتها إلى ما اعتذرت عنه وسجلت مع الجمع بين المعصيتين على جهلك وعباوتك وكنت كالشاة تنظر إلى المعزى تردي نفسها من قلة الجبل فهي أيضا تردي نفسها ولو كان لها لسان ناطق بالعذر وصرخت بالعذر وقالت العنز أكيس مني وقد أهلكت نفسها فكذلك أنا أفعل لكنت تضحك من جهلها وحالك مثل حالها ثم لا تعجب ولا تضحك من نفسك .
وأما قصدك المباهاة وتزكية النفس بزيادة الفضل بأن تقدح في غيرك فينبغي أن تعلم أنك بما ذكرته به أبطلت فضلك عند الله وأنت من اعتقاد الناس فضلك على خطر وربما نقص اعتقادهم فيك إذا عرفوك بثلب الناس فتكون قد بعت ما عند الخالق يقينا بما عند المخلوقين وهما ولو حصل لك من المخلوقين اعتقاد الفضل لكانوا لا يغنون عنك من الله شيئا .
وأما الغيبة لأجل الحسد فهو جمع بين عذابين لأنك حسدته على نعمة الدنيا وكنت في الدنيا معذبا بالحسد فما قنعت بذلك حتى أضفت إليه عذاب الآخرة فكنت خاسرا نفسك في الدنيا فصرت أيضا خاسرا في الآخرة