اغتبتيها // حديث عائشة دخلت علينا امرأة فأومأت بيدي أي قصيرة فقال النبي A قد أغتبتيها أخرجه ابن أبي الدنيا وابن مردويه من رواية حسان بن مخارق عنها وحسان وثقه ابن حبان وباقيهم ثقات // ومن ذلك المحاكاة يمشى متعارجا أو كما يمشي فهو غيبة بل هو أشد من الغيبة لأنه أعظم في التصوير والتفهيم ولما رأى رسول الله A عائشة حاكت امرأة قال ما يسرني أني حاكيت إنسانا ولي كذا وكذا // حديث ما يسرني أني حكيت ولي كذا وكذا تقدم في الآفة الحادية عشرة // وكذلك الغيبة بالكتابة فإن القلم أحد اللسانين وذكر المصنف شخصا معينا وتهجين كلامه في الكتاب غيبة إلا أن يقترن به شيء من الأعذار المحوجة إلى ذكره كما سيأتي بيانه وأما قوله قال قوم كذا فليس ذلك غيبة وإنما الغيبة التعرض لشخص معين إما حي وإما ميت ومن الغيبة أن تقول بعض من مر بنا اليوم أو بعض من رأيناه إذا كان المخاطب يفهم منه شخصا معينا لأن المحذور تفهيمه دون ما به التفهيم فأما إذا لم يفهم عينه جاز .
كان رسول الله A إذا كره من إنسان شيئا قال ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا // حديث كان إذا كره من إنسان شيئا قال ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا الحديث أخرجه أبو داود من حديث عائشة دون قوله وكان لا يعيره ورجاله رجال الصحيح // فكان لا يعين وقولك بعض من قدم من السفر أو بعض من يدعي العلم إن كان معه قرينة تفهم عين الشخص فهي غيبة .
وأخبث أنواع الغيبة غيبة القراء المرائين فإنهم يفهمون المقصود على صيغة أهل الصلاح ليظهروا من أنفسهم التعفف عن الغيبة ويفهمون المقصود ولا يدرون بجهلهم أنهم جمعوا بين فاحشتين الغيبة والرياء وذلك مثل أن يذكر عنده إنسان فيقول الحمد لله الذي لم يبتلنا بالدخول على السلطان والتبذل في طلب الحطام أو يقول نعوذ بالله من قلة الحياء نسأل الله أن يعصمنا منها وإنما قصده أن يفهم عيب الغير فيذكره بصيغة الدعاء وكذلك قد يقدم مدح من يريد غيبته فيقول ما أحسن أحوال فلان ما كان يقصر في العبادات ولكن قد اعتراه فتور وابتلي بما يبتلى به كلنا وهو قلة الصبر فيذكر نفسه ومقصوده أن يذم غيره في ضمن ذلك ويمدح نفسه بالتشبه بالصالحين بأن يذم نفسه فيكون مغتابا ومرائيا ومزكيا نفسه فيجمع بين ثلاث فواحش وهو بجهله يظن أنه من الصالحين المتعففين عن الغيبة ولذلك يلعب الشيطان بأهل الجهل إذا اشتغلوا بالعبادة من غير علم فإنه يتبعهم ويحبط بمكايده عملهم ويضحك عليهم ويسخر منهم ومن ذلك أن يذكر عيب إنسان فلا يتنبه له بعض الحاضرين فيقول سبحان الله ما أعجب هذا حتى يصغى إليه ويعلم ما يقول فيذكر الله تعالى ويستعمل الاسم آلة في تحقيق خبثه وهو يمتن على الله D بذكره جهلا منه وغرورا وكذلك يقول ساءني ما جرى على صديقنا من الاستخفاف به نسأل الله أن يروح نفسه فيكون كاذبا في دعوى الاغتمام وفي إظهار الدعاء له بل لو قصد الدعاء لأخفاه في خلوته عقيب صلاته ولو كان يغتم به لاغتم أيضا بإظهار ما يكرهه وكذلك يقول ذلك المسكين قد بلي بآفة عظيمة تاب الله علينا وعليه فهو في كل ذلك يظهر الدعاء والله مطلع على خبث ضميره وخفي قصده وهو لجهله لا يدري أنه قد تعرض لمقت أعظم مما تعرض له الجهال إذا جاهروا .
ومن ذلك الإصغاء إلى الغيبة على سبيل التعجب فإنه إنما تظهر التعجب ليزيد نشاط المغتاب في الغيبة فيندفع فيها وكأنه يستخرج الغيبة منه بهذا الطريق فيقول عجب ما علمت أنه كذلك ما عرفته إلى الآن إلا بالخير وكنت أحسب فيه غير هذا عافانا الله من بلائه فإن كل ذلك تصديق للمغتاب والتصديق بالغيبة غيبة بل الساكت شريك