قلب فلم ينهى عنه فاعلم أن المنهي عنه الإفراط فيه أو المداومة عليه .
أما المداومة فلأنه اشتغال باللعب والهزل فيه واللعب مباح ولكن المواظبة عليه مذمومة وأما الإفراط فيه فإنه يورث كثرة الضحك وكثرة الضحك تميت القلب وتورث الضغينة في بعض الأحوال وتسقط المهابة والوقار فما يخلو عن هذه الأمور فلا يذم كما روي عن النبي A أنه قال إني لأمزح ولا أقول إلا حقا // حديث إني أمزح ولا أقول إلا حقا تقدم // إلا أن مثله يقدر على أن يمزح ولا يقول إلا حقا وأما غيره إذا فتح باب المزاح كان غرضه أن يضحك الناس كيفما كان .
وقد قال رسول الله A إن الرجل ليتكلم بالكلمة يضحك بها جلساءه يهوى في النار أبعد من الثريا // حديث إن الرجل ليتكلم بالكلمة يضحك بها جلساءه يهوى بها في النار أبعد من الثريا // وقال عمر Bه من كثر ضحكه قلت هيبته ومن مزج استخف به ومن أكثر من شيء عرف به ومن كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه قل حياؤه ومن قل حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قلبه .
ولأن الضحك يدل على الغفلة عن الآخرة قال A لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا // حديث لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا متفق عليه من حديث أنس وعائشة // وقال رجل لأخيه يا أخي هل أتاك أنك وارد النار قال نعم قال فهل أتاك أنك خارج منها قال لا ففيم الضحك قيل فما رؤي ضاحكا حتى مات وقال يوسف بن أسباط أقام الحسن ثلاثين سنة لم يضحك وقيل أقام عطاء السلمي أربعين سنة لم يضحك ونظر وهيب بن الورد إلى قوم يضحكون في عيد فطر فقال إن كان هؤلاء قد غفر لهم فما هذا فعل الشاكرين وإن كان لم يغفر لهم فما هذا فعل الخائفين وكان عبد الله بن أبي يعلى يقول أتضحك ولعل أكفانك قد خرجت من عند القصار وقال ابن عباس من أذنب ذنبا وهو يضحك دخل النار وهو يبكي .
وقال محمد بن واسع إذا رأيت في الجنة رجل يبكي ألست تعجب من بكائه قيل بلى قال فالذي يضحك في الدنيا ولا يدري إلى ماذا يصير هو أعجب منه فهذه آفة الضحك والمذموم منه أن يستغرق ضحكا والمحمود منه التبسم الذي ينكشف فيه السن ولا يسمع له صوت وكذلك كان ضحك رسول الله A // حديث كان ضحكه التبسم تقدم // قال القاسم مولى معاوية أقبل أعرابي إلى النبي A على قلوص له صعب فسلم فجعل كلما دنا من النبي A ليسأله يفر به فجعل أصحاب رسول الله A يضحكون منه ففعل ذلك مرارا ثم وقصه فقتله فقيل يا رسول الله إن الأعرابي قد صرعه قلوصه وقد هلك فقال نعم وأفواهكم ملأى من دمه // حديث القاسم مولى معاوية أقبل أعرابي إلى النبي A على قلوص صعب له فسلم فجعل كلما دنا إلى النبي A ليسأله يفر به وجعل أصحاب النبي A يضحكون منه ففعل ذلك ثلاث مرات ثم وقصه فقتله فقيل يا رسول الله إن الأعرابي قد صرعه قلوصه فهلك قال نعم وأفواهكم ملأى من دمه أخرجه ابن المبارك في الزهد والرقائق وهو مرسل // وأما أداء المزاح إلى سقوط الوقار فقد قال عمر Bه من مزح استخف به .
وقال محمد بن المنكدر قالت لي أمي يا بني لا تمازح الصبيان فتهون عندهم وقال سعيد بن العاص لابنه يا بني لا تمازح الشريف فيحقد عليك ولا الدنيء فيجترئ عليك وقال عمر بن عبد العزيز C تعالى اتقوا الله وإياكم والمزاح فإنه يورث الضغينة ويجر إلى القبيح تحدثوا بالقرآن وتجالسوا به فإن ثقل عليكم فحديث حسن من حديث الرجال .
وقال عمر Bه أتدرون لما سمي المزاح مزاحا قالوا لا قال لأنه أزاح صاحبه عن الحق وقيل لكل شيء بذور وبذور العداوة المزاح ويقال المزاح مسلبة للنهي مقطعة للأصدقاء .
فإن قلت قد نقل المزاح عن رسول الله A وأصحابه فكيف ينهى عنه فأقول إن قدرت