تعتدل فترد بعد ذلك الغذاء أيضا إلى الاعتدال وإنما يمتنع من ملازمة الجوع من سالكي طريق الآخرة إما صديق وإما مغرور أحمق .
أما الصديق المستقيم فلاستقامة نفسه على الصراط المستقيم واستغنائه عن أن يساق بسياط الجوع إلى الحق وأما المغرور فلظنه بنفسه أنه الصديق المستغني عن تأديب نفسه الظان بها خيرا وهذا غرور عظيم وهو الأغلب فإن النفس قلما تتأدب تأدبا كاملا وكثيرا ما تغتر فتنظر إلى الصديق ومسامحته نفسه في ذلك فيسامح نفسه كالمريض ينظر إلى من قد صح من مرضه فيتناول ما يتناوله ويظن بنفسه الصحة فيهلك والذي يدل على أن تقدير الطعام بمقدار يسير في وقت مخصوص ونوع مخصوص ليس مقصودا في نفسه وإنما هو مجاهدة نفس متنائية عن الحق غير بالغة رتبة الكمال أن رسول الله A لم يكن له تقدير وتوقيت لطعامه .
قالت عائشة Bها كان رسول الله A يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم // حديث عائشة كان يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم متفق عليه // وكان يدخل على أهله فيقول هل عندكم من شيء فإن قالوا نعم أكل وإن قالوا لا قال إني إذن صائم // حديث كان يدخل على أهله فيقول هل عندكم من شيء فإن قالوا نعم أكل وإن قالوا لا قال إني صائم أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي من حديث عائشة وهو عند مسلم بنحوه كما سيأتي .
وكان يقدم إليه الشيء فيقول أما إني قد أردت الصوم ثم يأكل // حديث كان يقدم إليه الشيء فيقول أما إني كنت أريد الصوم أخرجه البيهقي من حديث عائشة بلفظ وإن كنت قد فرضت الصوم وقال إسناد صحيح وعند مسلم قد كنت أصبحت صائما // وخرج A يوما وقال إني صائم فقالت له عائشة Bها قد أهدى إلينا حيس فقال كنت أردت الصوم ولكن قربيه // حديث خرج وقال إني صائم فقالت عائشة يا رسول الله قد أهدى إلينا حيس فقال كنت أردت الصوم ولكن قربيه أخرجه مسلم بلفظ قد كنت أصبحت صائما وفي رواية له أدنيه فقد أصبحت صائما فأكل وفي لفظ للبيهقي إني كنت أريد الصوم ولكن قربيه // .
ولذلك حكي عن سهل أنه قيل له كيف كنت في بدايتك فأخبر بضروب من الرياضات منها أنه كان يقتات ورق النبق مدة ومنها أنه أكل دقاق التين مدة ثلاث سنين ثم ذكر أنه اقتات بثلاثة دراهم في ثلاث سنين فقيل له فكيف أنت في وقتك هذا فقال آكل بلا حد ولا توقيت وليس المراد بقوله بلا حد ولا توقيت أني آكل كثيرا بل أني لا أقدر بمقدار واحد ما آكله وقد كان معروف الكرخي يهدي إليه طيبات الطعام فيأكل فقيل له إن أخاك بشرا لا يأكل مثل هذا فقال إن أخي بشرا قبضه الورع وأنا بسطتني المعرفة ثم قال إنما أنا ضيف في دار مولاي فإذا أطعمني أكلت وإذا جوعني صبرت مالي والاعتراض والتمييز ودفع إبراهيم بن أدهم إلى بعض إخوانه دراهم وقال خذ لنا بهذه الدراهم زبدا وعسلا وخبزا حواريا فقيل يا أبا إسحاق بهذا كله قال ويحك إذا وجدنا أكلنا أكل الرجال وإذا عدمنا صبرنا صبر الرجال وأصلح ذات يوم طعاما كثيرا ودعا إليه نفرا يسيرا فيهم الأوزاعي والثوري فقال له الثوري يا أبا إسحاق أما تخاف أن يكون هذا إسرافا فقال ليس في الطعام إسراف إنما الإسراف في اللباس والأثاث .
فالذي أخذ العلم من السماع والنقل تقليدا يرى هذا من إبراهيم بن أدهم ويسمع عن مالك بن دينار أنه قال ما دخل بيتي الملح منذ عشرين سنة وعن سري السقطي أنه منذ أربعين سنة يشتهي أن يغمس جزرة في دبس فما فعل فيراه متناقضا فيتحير أو يقطع بأن أحدهما مخطئ والبصير بأسرار القول يعلم أن كل ذلك حق ولكن بالإضافة إلى