وهذه درجة عظيمة قل من يبلغها إلا مكاشف محمول شغل بمشاهدة ما قطعه عن طبعه وعادته واستوفى نفسه في لذته وأنساه جوعته وحاجته .
الدرجة الثانية أن يطوي يومين إلى ثلاثة وليس ذلك خارجا عن العادة بل هو قريب يمكن الوصول إليه بالجد والمجاهدة .
الدرجة الثالثة وهي أدناها أن يقتصر في اليوم والليلة على أكلة واحدة وهذا هو الأقل وما جاوز ذلك إسراف ومداومة للشبع حتى لا يكون له حالة جوع وذلك فعل المترفين وهو بعيد من السنة فقد روى أبو سعيد الخدري Bه أن النبي A كان إذا تغدى لم يتعش وإذا تعشى لم يتغد // حديث أبي سعيد الخدري كان إذا تغدى لم يتعش وإذا تعشى لم يتغد لم أجد له أصلا // وكان السلف يأكلون في كل يوم أكلة وقال النبي A لعائشة إياك والسرف فإن أكلتين في يوم من السرف وأكلة واحدة في كل يومين إقتار وأكلة في كل يوم قوام بين ذلك // قال لعائشة إياك والإسراف فإن أكلتين في يوم من السرف أخرجه البيهقي في الشعب من حديث عائشة وقال في إسناده ضعف // وهو المحمود في كتاب الله D ومن اقتصر في اليوم على أكلة واحدة فيستحب له أن يأكلها سحرا قبل طلوع الفجر فيكون أكله بعد التهجد وقبل الصبح فيحصل له جوع النهار للصيام وجوع الليل للقيام وخلو القلب لفراغ المعدة ورقة الفكر واجتماع الهم وسكون النفس إلى المعلوم فلا تنازعه قبل وقته وفي حديث عاصم بن كليب عن أبيه عن أبي هريرة Bه قال ما قام رسول الله A قيامكم هذا قط وإن كان ليقوم حتى تورم قدماه وما واصل وصالكم هذا قط غير أنه قد أخر الفطر إلى السحر // حديث عاصم بن كليب عن أبيه عن أبي هريرة ما قام رسول الله A قيامكم هذا قط وإن كان ليقوم حتى تزلع قدماه رواه النسائي مختصرا كان يصلي حتى تزلع قدماه وإسناده جيد وفي حديث عائشة Bها قالت كان النبي A يواصل إلى السحر // حديث كان يواصل إلى السحر لم أجده من فعله وإنما هو من قوله فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر رواه البخاري من حديث أبي سعيد وأما هو فكان يواصل وهو من خصائصه // فإن كان يلتفت قلب الصائم بعد المغرب إلى الطعام وكان ذلك يشغله عن حضور القلب في التهجد فالأولى أن يقسم طعامه نصفين فإن كان رغيفين مثلا أكل رغيفا عند الفطر ورغيفا عند السحر لتسكن نفسه ويخف بدنه عند التهجد ولا يشتد بالنهار جوعه لأجل التسحر فيستعين بالرغيف الأول على التهجد وبالثاني على الصوم ومن كان يصوم يوما ويفطر يوما فلا بأس أن يأكل كل يوم فطره وقت الظهر ويوم صومه وقت السحر فهذه الطرق في مواقيت الأكل وتباعده وتقاربه .
الوظيفة الثالثة في نوع الطعام وترك الإدام وأعلى الطعام مخ البر فإن نخل فهو غاية الترفه وأوسطه شعير منخول وأدناه شعير لم ينخل وأعلى الأدم اللحم والحلاوة وأدناه الملح والخل وأوسطه المزورات بالأدهان من غير لحم وعادة سالكي طريق الآخرة الامتناع من الإدام على الدوام بل الامتناع عن الشهوات فإن كل لذيذ يشتهيه الإنسان وأكله اقتضى ذلك بطرا في نفسه وقسوة في قلبه وأنسا له بلذات الدنيا حتى يألفها ويكره الموت ولقاء الله تعالى وتصير الدنيا جنة في حقه ويكون الموت سجنا له وإذا منع نفسه عن شهواتها وضيق عليها وحرمها لذاتها صارت الدنيا سجنا عليه ومضيقا له فاشتهت نفسه الإفلات منها فيكون الموت إطلاقها وإليه الإشارة بقول يحيى ابن معاذ حيث قال معاشر الصديقين جوعوا أنفسكم لوليمة الفردوس فإن شهوة الطعام على قدر تجويع النفس فكل ما ذكرناه من آفات الشبع فإنه يجري في كل الشهوات وتناول اللذات فلا نطول بإعادته فلذلك يعظم الثواب