شهوة الوقاع لانقطع النسل ولو انعدم الغضب بالكلية لم يدفع الإنسان عن نفسه ما يهلكه ولهلك .
ومهما بقي أصل الشهوة فيبقى لا محالة حب المال الذي يوصله إلى الشهوة حتى يحمله ذلك على إمساك المال وليس المطلوب إماطة ذلك بالكلية بل المطلوب ردها إلى الاعتدال الذي هو وسط بين الإفراط والتفريط والمطلوب في صفة الغضب حسن الحمية وذلك بأن يخلو عن التهور وعن الجبن جميعا وبالجملة أن يكون في نفسه قويا ومع قوته منقادا للعقل ولذلك قال الله تعالى أشداء على الكفار رحماء بينهم وصفهم بالشدة وإنما تصدر الشدة عن الغضب ولو بطل الغضب لبطل الجهاد وكيف يقصد قلع الشهوة والغضب بالكلية والأنبياء عليهم السلام لم ينفكوا عن ذلك إذ قال A إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر // حديث إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر أخرجه مسلم من حديث أنس وله من حديث أبي هريرة إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر وكان إذا تكلم بين يديه بما يكرهه يغضب حتى تحمر وجنتاه ولكن لا يقول إلا حقا فكان عليه السلام لا يخرجه غضبه عن الحق // حديث أنه كان يتكلم بين يديه بما يكرهه فيغضب حتى تحمر وجنتاه ولكن لا يقول إلا حقا فكان الغضب لا يخرجه عن الحق أخرجه الشيخان من حديث عبد الله بن الزبير في قصة شراج الحرة فقال لأن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول الله A ولهما من حديث أبي سعيد الخدري وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه ولهما من حديث عائشة وما انتقم رسول الله A لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله ولمسلم ما ينال منه شيء قط فينتقم من صاحبه الحديث // وقال تعالى والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ولم يقل والفاقدين الغيظ فرد الغضب والشهوة إلى حد الاعتدال بحيث لا يقهر واحد منهما العقل ولا يغلبه بل يكون العقل هو الضابط لهما والغالب عليهما ممكن وهو المراد بتغيير الخلق فإنه ربما تستولي الشهوة على الإنسان بحيث لا يقوى عقله على دفعها فيقدم على الانبساط إلى الفواحش وبالرياضة تعود إلى حد الاعتدال فدل أن ذلك ممكن والتجربة والمشاهدة تدل على ذلك دلالة لا شك فيها والذي يدل على أن المطلوب هو الوسط في الأخلاق دون الطرفين أن السخاء خلق محمود شرعا وهو وسط بين طرفي التبذير والتقتير وقد أثنى الله تعالى عليه فقال والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما وقال تعالى ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط وكذلك المطلوب في شهوة الطعام الاعتدال دون الشره والجمود قال الله تعالى وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين وقال في الغضب أشداء على الكفار رحماء بينهم وقال A خير الأمور أوساطها // حديث خير الأمور أوساطها أخرجه البيهقي في شعب الإيمان من رواية مطرف بن عبد الله معضلا وهذا له سر وتحقيق وهو أن السعادة منوطة بسلامة القلب عن عوارض هذا العالم قال الله تعالى إلا من أتى الله بقلب سليم والبخل من عوارض الدنيا والتبذير أيضا من عوارض الدنيا وشرط القلب أن يكون سليما منهما أي لا يكون ملتفتا إلى المال ولا يكون حريصا على إنفاقه ولا على إمساكه فإن الحريص على الإنفاق مصروف القلب إلى الإنفاق كما أن الحريص على الإمساك مصروف القلب إلى الإمساك فكان كمال القلب أن يصفو عن الوصفين جميعا وإذا لم يكن ذلك في الدنيا طلبنا ما هو الأشبه لعدم الوصفين وأبعد عن الطرفين وهو الوسط فإن الفاتر لا حار ولا بارد بل هو وسط بينهما فكأنه خال عن الوصفين فكذلك السخاء بين التبذير والتقتير والشجاعة بين الجبن التهور والعفة بين الشره والجمود وكذلك سائر الأخلاق فكلا طرفي الأمور ذميم هذا هو المطلوب وهو ممكن نعم يجب على الشيخ المرشد للمريد أن يقبح عنده الغضب رأسا ويذم إمساك المال رأسا ولا يرخص له في شيء منه لأنه لو رخص له في أدنى شيء اتخذ ذلك عذرا في استبقاء بخله وغضبه وظن أنه القدر المرخص فيه فإذا قصد الأصل وبالغ فيه ولم يتيسر له إلا كسر