الروح أرادوا به هذا المعنى وهو بخار لطيف أنضجته حرارة القلب وليس شرحه من غرضنا إذ المتعلق به غرض الأطباء الذين يعالجون الأبدان فأما غرض أطباء الدين المعالجين للقلب حتى ينساق إلى جوار رب العالمين فليس يتعلق بشرح هذه الروح أصلا .
المعنى الثاني هو اللطيفة العالمة المدركة من الإنسان وهو الذي شرحناه في أحد معاني القلب وهو الذي أراده الله تعالى بقوله قل الروح من أمر ربي وهو أمر عجيب رباني تعجز أكثر العقول والأفهام عن درك حقيقته .
اللفظ الثالث النفس وهو أيضا مشترك بين معان ويتعلق بغرضنا منه معنيان .
أحدهما أنه يراد به المعنى الجامع لقوة الغضب والشهوة في الإنسان على ما سيأتي شرحه وهذا الاستعمال هو الغالب على أهل التصوف لأنهم يريدون بالنفس الأصل الجامع للصفات المذمومة من الإنسان فيقولون لا بد من مجاهدة النفس وكسرها وإليه الإشارة بقوله Aأعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك // حديث أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك // أخرجه البيهقي في كتاب الزهد من حديث ابن عباس وفيه محمد بن عبد الرحمن بن غزوان أحد الوضاعين .
المعنى الثاني هي اللطيفة التي ذكرناها التي هي الإنسان بالحقيقة وهي نفس الإنسان وذاته ولكنها توصف بأوصاف مختلفة بحسب اختلاف أحوالها فإذا سكنت تحت الأمر وزايلها الاضطراب بسبب معارضة الشهوات سميت النفس المطمئنة .
قال الله تعالى في مثلها يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية والنفس بالمعنى الأول لا يتصور رجوعها إلى الله تعالى فإنها مبعدة عن الله وهي من حزب الشيطان .
وإذا لم يتم سكونها ولكنها صارت مدافعة للنفس الشهوانية ومعترضة عليها سميت النفس اللوامة لأنها تلوم صاحبها عند تقصيره في عبادة مولاه .
قال الله تعالى ولا أقسم بالنفس اللوامة وإن تركت الاعتراض وأذعنت وأطاعت لمقتضى الشهوات ودواعي الشيطان سميت النفس الأمارة بالسوء .
قال الله تعالى إخبارا عن يوسف عليه السلام أو امرأة العزيز وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء وقد يجوز أن يقال المراد بالأمارة بالسوء هي النفس بالمعنى الأول فإذن النفس بالمعنى الأول مذمومة غاية الذم وبالمعنى الثاني محمودة لأنها نفس الإنسان أي ذاته وحقيقته العالمة بالله تعالى وسائر المعلومات .
اللفظ الرابع العقل وهو أيضا مشترك لمعان مختلفة ذكرناها في كتاب العلم والمتعلق بغرضنا من جملتها معنيان .
أحدهما أنه قد يطلق ويراد به العلم بحقائق الأمور فيكون عبارة عن صفة العلم الذي محله القلب .
والثاني أنه قد يطلق ويراد به المدرك للعلوم فيكون هو القلب أعني تلك اللطيفة .
ونحن نعلم أن كل عالم فله في نفسه وجود هو أصل قائم بنفسه والعلم صفة حالة فيه والصفة غير الموصوف والعقل قد يطلق ويراد به صفة العالم وقد يطلق ويراد به محل الإدراك أعني المدرك وهو المراد بقوله Aأول ما خلق الله العقل // حديث أول ما خلق الله العقل وفي الخبر أنه قال له أقبل فأقبل وقال أدبر فأدبر الحديث تقدم في العلم .
فإن العلم عرض لا يتصور أن يكون أول مخلوق بل لابد وأن يكون المحل مخلوقا قبله أو معه ولأنه لا يمكن الخطاب معه .
وفي الخبر أنه قال له تعالى أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر الحديث .
فإذن قد انكشف لك أن معاني هذه الأسماء موجودة وهي القلب الجسماني والروح الجسماني والنفس الشهوانية والعلوم .
فهذه أربعة معان يطلق عليها الألفاظ الأربعة ومعنى خامس وهي اللطيفة العالمة المدركة من الإنسان .
والألفاظ الأربعة بجملتها تتوارد عليها فالمعاني خمسة والألفاظ أربعة وكل لفظ أطلق لمعنيين