إلى ما يتصور أن يقال فيه كل مجتهد مصيب .
وهي أحكام الأفعال في الحل والحرمة وذلك هو الذي لا يعترض على المجتهدين فيه إذ لم يعلم خطؤهم قطعا بل ظنا وإلى ما لا يتصور أن يكون المصيب فيه إلا واحد كمسألة الرؤية والقدر وقدم الكلام ونفي الصورة والجسمية والاستقرار عن الله تعالى فهذا مما يعلم خطأ المخطىء فيه قطعا ولا يبقى لخطئه الذي هو جهل محض وجه .
فإذن البدع كلها ينبغي أن تحسم أبوابها وتنكر على المبتدعين بدعهم وإن اعتقدوا أنها الحق كما يرد على اليهود والنصارى كفرهم وأن كانوا يعتقدون أن ذلك حق لأن خطأهم معلوم على القطع بخلاف الخطأ في مظان الاجتهاد .
فإن قلت فمهما اعترضت على القدري في قوله الشر ليس من الله اعترض عليك القدري أيضا في قولك الشر من الله وكذلك في قولك إن الله يرى وفي سائر المسائل .
إذ المبتدع محق عند نفسه والمحق مبتدع عند المبتدع وكل يدعي أنه محق وينكر كونه مبتدعا فكيف يتم الاحتساب فاعلم أنا لأجل هذا التعارض نقول ينظر إلى البلدة التي فيها أظهرت تلك البدعة فإن كانت البدعة غريبة والناس كلهم على السنة فلهم الحسبة عليه بغير إذن السلطان وإن انقسم أهل البلد إلى أهل البدعة وأهل السنة وكان في الاعتراض تحريك فتنة بالمقاتلة فليس للآحاد الحسبة في المذاهب إلا بنصب السلطان .
فإذا رأى السلطان الرأي الحق ونصره وأذن لواحد أن يزجر المبتدعة عن إظهار البدعة كان له ذلك وليس لغيره .
فإن ما يكون بإذن السلطان لا يتقابل وما يكون من جهة الآحاد فيتقابل الأمر فيه .
وعلى الجملة فالحسبة في البدعة أهم من الحسبة في كل المنكرات ولكن ينبغي أن يراعى فيها هذا التفصيل الذي ذكرناه كيلا يتقابل الأمر ولا ينجر إلى تحريك الفتنة .
بل لو أذن السلطان مطلقا في منع كل من يصرح بأن القرآن مخلوق أو أن الله لا يرى أو أنه مستقر على العرش مماس له أو غير ذلك من البدع لتسلط الآحاد على المنع منه ولم يتقابل الأمر فيه وإنما يتقابل عند عدم إذن السلطان فقط الركن الثالث المحتسب عليه .
وشرطه أن يكون بصفة يصير الفعل الممنوع منه في حقه منكرا وأقل ما يكفي في ذلك أن يكون إنسانا ولا يشترط كونه مكلفا إذ بينا أن الصبي لو شرب الخمر منع منه واحتسب عليه وإن كان قبل البلوغ ولا يشترط كونه مميزا إذ بينا أن المجنون لو كان يزني بمجنونة أو يأتي بهيمة منعه منه .
نعم من الأفعال ما لا يكون منكرا في حق المجنون كترك الصلاة والصوم وغيره .
ولكنا لسنا نلتفت إلى اختلاف التفاصيل فإن ذلك أيضا مما يختلف فيه المقيم والمسافر والمريض والصحيح .
وغرضنا الإشارة إلى الصفة التي بها يتهيأ توجه أصل الإنكار عليه لا ما بها يتهيأ للتفاصيل .
فإن قلت فاكتف بكونه حيوانا ولا تشترط كونه إنسانا فإن البهيمة لو كانت تفسد زرعا لإنسان لكنا تمنعها منه كما نمنع المجنون من الزنا وإتيان البهيمة فاعلم أن تسمية ذلك حسبة لا وجه لها إذ الحسبة عبارة عن المنع عن منكر لحق الله صيانة للممنوع عن مقارفة المنكر ومنع المجنون عن الزنا وإتيان البهيمة لحق الله وكذا منع الصبي عن شرب الخمر .
والإنسان إذا أتلف زرع غيره منع منه لحقين .
أحدهما حق الله تعالى فإن فعله معصية .
والثاني حق المتلف عليه فهما علتان تنفصل إحداهما عن الأخرى .
فلو قطع طرف غيره بإذنه فقد وجدت المعصية وسقط حق المجني عليه بإذنه فتثبت الحسبة والمنع بإحدى العلتين .
والبهيمة إذا أتلفت فقد عدمت المعصية ولكن يثبت المنع بإحدى العلتين .
ولكن فيه دقيقة وهو أنا لسنا نقصد بإخراج البهيمة منع البهيمة بل حفظ مال