لمعاداته ونصب المكيدة عليه وتدسيس غائلة وراءه فالناس مهما اشتد حرصهم على أمر يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم وقد اشتد حرصهم على الدنيا فلا يظنون بغيرهم إلا الحرص عليها قال المتنبي .
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه ... وصدق ما يعتاده من توهم .
وعادى محبيه بقول عداته ... فأصبح في ليل من الشك مظلم .
وقد قيل معاشرة الأشرار تورث سوء الظن بالأبرار .
وأنواع الشر الذي يلقاه الإنسان من معارفه وممن يختلط به كثيرة ولسنا نطول بتفصيلها ففيما ذكرناه إشارة إلى مجامعها وفي العزلة خلاص من جميعها .
وإلى هذا أشار الأكثر ممن اختار العزلة .
فقال أبو الدرداء أخبر تقله يروى مرفوعا .
وقال الشاعر .
من حمد الناس ولم يبلهم ... ثم بلاهم ذم من يحمد .
وصار بالوحدة مستأنسا ... يوحشه الأقرب والأبعد .
وقال عمر Bه في العزلة راحة من القرين السوء .
وقيل لعبد الله بن الزبير ألا تأتي المدينة فقال ما بقي فيها إلا حاسد نعمة أو فرح بنقمة .
وقال ابن السماك كتب صاحب لنا أما بعد فإن الناس كانوا دواء يتداوى به فصاروا داء لا دواء له ففر منهم فرارك من الأسد .
وكان بعض الأعراب يلازم شجرا ويقول هو نديم فيه ثلاث خصال إن سمع مني لم ينم علي وإن تفلت في وجهه احتمل مني وإن عربدت عليه لم يغضب فسمع الرشيد ذلك فقال زهدني في الندماء وكان بعضهم قد لزم الدفاتر والمقابر فقيل له ذلك فقال لم أر أسلم من وحدة ولا أوعظ من قبر ولا جليسا أمتع من دفتر وقال الحسن Bه أردت الحج فسمع ثابت البناني بذلك وكان أيضا من أولياء الله فقال بلغني أنك تريد الحج فأحببت أن أصحبك فقال له الحسن ويحك دعنا نتعاشر بستر الله علينا إني أخاف أن نصطحب فيرى بعضنا من بعض ما نتماقت عليه .
وهذه إشارة إلى فائدة أخرى في العزلة وهو بقاء الستر على الدين والمروءة والأخلاق والفقر وسائر العورات .
وقد مدح الله سبحانه المتسترين فقال يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف وقال الشاعر .
ولا عار إن زالت عن الحر نعمة ... ولكن عارا أن يزول التجمل .
ولا يخلو الإنسان في دينه ودنياه وأخلاقه وأفعاله عن عورات الأولى في الدين والدنيا سترها ولا تبقى السلامة مع انكشافها .
وقال أبو الدرداء كان الناس ورقا لا شوك فيه فالناس اليوم شوكا لا ورق فيه .
إذا كان هذا حكم زمانه وهو في أواخر القرن الأول فلا ينبغي أن يشك في أن الأخير شر .
وقال سفيان بن عيينة قال لي سفيان الثوري في اليقظة في حياته وفي المنام بعد وفاته أقلل من معرفة الناس فإن التخلص منهم شديد ولا أحسب أني رأيت ما أكره إلا ممن عرفت .
وقال بعضهم جئت إلى مالك بن دينار وهو قاعد وحده وإذا كلب قد وضع حنكه على ركبته .
فذهب أطرده فقال دعه يا هذا هذا لا يضر ولا يؤذي وهو خير من جليس السوء .
وقيل لبعضهم ما حملك على أن تعتزل الناس قال خشيت أن أسلب ديني ولا أشعر .
وهذه إشارة إلى مسارقة الطبع من أخلاق القرين السوء .
وقال أبو الدرداء اتقوا الله واحذروا الناس فإنهم ما ركبوا ظهر بعير إلا أدبروه ولا ظهر جواد إلا عقروه ولا قلب مؤمن إلا خربوه .
وقال بعضهم أقلل المعارف فإنه أسلم لدينك وقلبك وأخف لسقوط الحقوق عنك لأنه كلما كثرت المعارف كبرت الحقوق وعسر القيام بالجميع .
وقال بعضهم أنكر من تعرف ولا تتعرف إلى من لا تعرف