ما يكلم ابن آدم حفرته فتقول أنا بيت الدود وبيت الوحدة وبيت الغربة وبيت الظلمة .
فهذا ما أعددت لك فما أعددت لي وقال أبو ذر ألا أخبركم بيوم فقري يوم أوضع في قبري .
كان أبو الدرداء يقعد إلى القبور فقيل له في ذلك فقال أجلس إلى قوم يذكرونني معادي وإن قمت عنهم لم يغتابوني .
وقال حاتم الأصم من مر بالمقابر فلم يتفكر لنفسه ولم يدع لهم فقد خان نفسه وخانهم .
وقال A ما من ليلة إلا وينادي مناد يا أهل القبور من تغبطون قالوا نغبط أهل المساجد لأنهم يصومون ولا نصوم ويصلون ولا نصلي ويذكرون الله ولا نذكره // حديث ما من ليلة إلا ينادي مناد يا أهل القبور من تغبطون فيقولون نغبط أهل المساجد الحديث لم أجد له أصلا // .
وقال سفيان من أكثر ذكر القبر وجده روضة من رياض الجنة ومن غفل عن ذكره وجده حفرة من حفر النار .
وكان الربيع بين خيثم قد حفر في داره قبرا فكان إذا وجد في قلبه قساوة دخل فيه فاضطجع فيه ومكث ساعة ثم قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت ثم يقول يا ربيع قد أرجعت فاعمل الآن قبل أن لا ترجع .
وقال ميمون بن مهران خرجت مع عمر بن عبد العزيز إلى المقبرة فلما نظر إلى القبور بكى وقال يا ميمون هذه قبور آبائي بني أمية كأنهم لم يشاركوا أهل الدنيا في لذاتهم أما تراهم صرعى قد خلت بهم المثلات وأصاب الهوام من أبدانهم ثم بكى وقال والله ما أعلم أحدا أنعم ممن صار إلى هذه القبور وقد أمن من عذاب الله .
وآداب المعزي خفض الجناح وإظهار الحزن وقلة الحديث وترك التبسم .
وآداب تشييع الجنازة لزوم الخشوع وترك الحديث وملاحظة الميت والتفكر في الموت والاستعداد له وأن يمشي أمام الجنازة بقربها والإسراع بالجنازة سنة // حديث الإسراع بالجنازة متفق عليه من حديث أبي هريرة أسرعوا بالجنازة الحديث // .
فهذه جمل آداب تنبه على آداب المعاشرة مع عموم الخلق .
والجملة الجامعة فيه أن لا تستصغر منهم أحدا حيا كان أو ميتا فتهلك لأنك لا تدري لعله خير منك فإنه وإن كان فاسقا فلعله يختم لك بمثل حاله ويختم له بالصلاح ولا تنظر إليهم بعين التعظيم لهم في حال دنياهم فإن الدنيا صغيرة عند الله صغير ما فيها .
ومهما عظم أهل الدنيا في نفسك فقد عظمت الدنيا فتسقط من عين الله .
ولا تبذل لهم دينك لتنال من دنياهم فتصغر في أعينهم ثم تحرم دنياهم فإن لم تحرم كنت قد استبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير .
ولا تعادهم بحيث تظهر العداوة فيطول الأمر عليك في المعاداة ويذهب دينك ودنياك فيهم ويذهب دينهم فيك إلا إذا رأيت منكرا في الدين فتعادي أفعالهم القبيحة وتنظر إليهم بعين الرحمة لهم لتعرضهم لمقت الله وعقوبته بعصيانهم فحسبهم جهنم يصلونها فمالك تحقد عليهم ولا تسكن إليهم في مودتهم لك وثنائهم عليك في وجهك وحسن بشرهم لك فإنك إن طلبت حقيقة ذلك لم تجد في المائة إلا واحدا وربما لا تجده .
ولا تشك إليهم أحوالك فيكلك الله إليهم ولا تطمع أن يكونوا لك في الغيب والسر كما في العلانية فذلك طمع كاذب وأنى تظفر به ولا تطمع فيما في أيديهم فتستعجل الذل ولا تنال الغرض .
ولا تعل عليهم تكبرا لاستغنائك عنهم فإن الله يلجئك إليهم عقوبة على التكبر بإظهار الاستغناء .
وإذا سألت أخا منهم حاجة فقضاها فهو أخ مستفاد وإن لم يقض فلا تعاتبه فيصير عدوا تطول عليك مقاساته .
ولا تشتغل بوعظ من لا ترى فيه مخايل القبول فلا يسمع منك ويعاديك وليكن وعظك عرضا واسترسالا من غير تنصيص على الشخص .
ومهما رأيت منهم كرامة وخيرا فاشكر الله الذي سخرهم لك واستعذ بالله أن يكلك إليهم .
وإذا بلغك عنهم غيبة أو رأيت منهم شرا أو أصابك منهم ما يسوءك فكل أمرهم إلى الله واستعذ بالله من شرهم .
ولا تشغل نفسك بالمكافأة فيزيد الضرر ويضيع العمر بشغله .
ولا تقل لهم لم تعرفوا موضعي