وقدر أنه عاجز عن قهر نفسه في تلك الخصلة الواحدة كما أنك عاجز عما أنت مبتلى به ولا تستثقله بخصلة واحدة مذمومة فأي الرجال المهذب وكل ما لا تصادفه من نفسك في حق الله فلا تنتظره من أخيك في حق نفسك فليس حقك عليه بأكثر من حق الله عليك .
والأمر الثاني أنك تعلم أنك لو طلبت منزها عن كل عيب اعتزلت عن الخلق كافة ولن تجد من تصاحبه أصلا فما من أحد من الناس إلا وله محاسن ومساو فإذا غلبت المحاسن المساوي فهو الغاية و المنتهى فالمؤمن الكريم أبدا يحضر في نفسه محاسن أخيه لينبعث من قلبه التوقير و الود و الاحترام وأما المنافق اللئيم فإنه أبدا يلاحظ المساوي و العيوب .
قال ابن المبارك المؤمن يطلب المعاذير و المنافق يطلب العثرات .
وقال الفضيل الفتوة العفو عن زلات الإخوان ولذلك قال عليه السلام استعيذوا بالله من جار السوء الذي إن رأى خيرا ستره وان رأى شرا أظهره // حديث استعيذوا بالله من جار السوء الذي أن رأى خيرا ستره وإن رأى شرا أظهره أخرجه البخاري في التاريخ من حديث أبي هريرة بسند ضعيف وللنسائي من حديث أبي هريرة وأبي سعيد بسند صحيح تعوذوا بالله من جار السوء في دار المقام // .
وما من شخص إلا ويمكن تحسين حاله بخصال فيه ويمكن تقبيحه أيضا .
روى أن رجلا أثنى على رجل عند رسول الله A فلما كان من الغد ذمه فقال عليه السلام أنت بالأمس تثني عليه و اليوم تذمه فقال و الله لقد صدقت عليه بالأمس وما كذبت عليه اليوم إنه أرضاني بالأمس فقلت أحسن ما علمت فيه وأغضبني اليوم فقلت أقبح ما علمت فيه فقال عليه السلام إن من البيان لسحرا // حديث أن رجلا أثنى على رجل عند رسول الله A فلما كان من الغد ذمه الحديث وفيه فقال A إن من البيان لسحرا أخرجه الطبراني في الأوسط و الحاكم في المستدرك من حديث أبي بكرة إلا انه ذكر المدح و الذم في مجلس واحد لا يومين ورواه الحاكم من حديث ابن عباس أطول منه بسند ضعيف أيضا // .
وكأنه كره ذلك فشبهه بالسحر ولذلك قال في خبر آخر البذاء و البيان شعبتان من النفاق // حديث البذاء و البيان شعبتان من النفاق أخرجه الترمذي و قال حسن غريب و الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين من حديث أبي أمامة بسند ضعيف // .
و في الحديث الآخر إن الله يكره لكم البيان كل البيان وكذلك قال الشافعي C ما أحد من المسلمين يطيع الله ولا يعصيه ولا أحد يعصى الله ولا يطيعه .
فمن كانت طاعته أغلب من معاصيه فهو عدل وإذا جعل مثل هذا عدلا في حق الله فبأن تراه عدلا في حق نفسك ومقتضى أخوتك أولى .
وكما يجب عليك السكوت بلسانك عن مساويه يجب عليك السكوت بقلبك وذلك بترك إساءة الظن فسوء الظن غيبة بالقلب وهو منهى عنه أيضا وحده أن لا تحمل فعله على وجه فاسد ما أمكن أن تحمله على وجه حسن .
فأما ما انكشف بيقين ومشاهدة فلا يمكنك أن لا تعلمه وعليك أن تحمل ما تشاهد على سهو ونسيان إن أمكن وهذا الظن ينقسم إلى ما يسمى تفرسا وهو الذي يستند إلى علامة فإن ذلك يحرك الظن تحريكا ضروريا لا يقدر على دفعه والى ما منشؤه سوء اعتقادك فيه حتى يصدر منه فعل له وجهان فيحملك سوء الاعتقاد فيه على أن تنزله على الوجه الأدرإ من غير علامة تخصه به وذلك جناية عليه بالباطن وذلك حرام في حق كل مؤمن .
إذ قال A إن الله قد حرم على المؤمن من المؤمن دمه وماله وعرضه وان يظن به ظن السوء // حديث إن الله حرم من المؤمن دمه وماله وعرضه وان يظن به ظن السوء أخرجه الحاكم في التاريخ من حديث ابن عباس دون قوله وعرضه ورجاله ثقات إلا أن أبا على النيسابوري قال ليس هذا عندي من كلام النبي A إنما هو عندي من كلام ابن عباس ولابن ماجه نحوه من حديث ابن عمر ولمسلم من حديث أبي هريرة كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه // .
وقال A إياكم و الظن فإن الظن أكذب الحديث // حديث إياكم و الظن فإن الظن أكذب الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة // .
وسوء الظن