في طلب القوت ومنها الاستعانة في المهمات فيكون عدة في المصائب وقوة في الأحوال ومنها التبرك بمجرد الدعاء ومنها انتظار الشفاعة في الآخرة فقد قال السلف استكثروا من الإخوان فإن لكل مؤمن شفاعة فلعلك تدخل في شفاعة أخيك .
وروى في غريب التفسير في قوله تعالى ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله قال يشفعهم في إخوانهم فيدخلهم الجنة معهم .
ويقال إذا غفر الله للعبد شفع في إخوانه ولذلك حث جماعة من السلف على الصحبة و الألفة و المخالطة وكرهوا العزلة و الانفراد فهذه فوائد تستدعى كل فائدة شروطا لا تحصل إلا بها ونحن نفصلها أما على الجملة فينبغي أن يكون فيمن تؤثر صحبتة خمس خصال أن يكون عاقلا حسن الخلق غير فاسق ولا مبتدع ولا حريص على الدنيا .
أما العقل فهو رأس المال وهو الأصل فلا خير في صحبة الأحمق فإلى الوحشة و القطيعة ترجع عاقبتها وإن طالت .
قال علي Bه .
فلا تصحب أخا الجهل وإياك وإياه ... فكم من جاهل أردى حليما حين آخاه .
يقاس المرء بالمرء إذا ما المرء ما شاه ... و للشيء من الشيء مقاييس وأشباه .
وللقلب على القلب ... دليل حين يلقاه .
كيف و الأحمق قد يضرك وهو يريد نفعك وإعانتك من حيث لا يدري ولذلك قال الشاعر .
إني لآمن من عدو عاقل ... وأخاف خلا يعتريه جنون .
فالعقل فن واحد وطريقه ... أدرى فأرصد و الجنون فنون .
ولذلك قيل مقاطعة الأحمق قربان إلى الله .
وقال الثوري النظر إلى وجه الأحمق خطيئة مكتوبة ونعني بالعاقل الذي يفهم الأمور على ما هي عليه إما بنفسه وأما إذا فهم .
وأما حسن الخلق فلا بد منه إذ رب عاقل يدرك الأشياء على ما هي عليه ولكن إذا غلبه غضب أو شهوة أو بخل أو جبن أطاع هواه وخالف ما هو المعلوم عنده لعجزه عن قهر صفاته وتقويم أخلاقه فلا خير في صحبته .
وأما الفاسق المصر على الفسق فلا فائدة في صحبته لأن من يخاف الله لا يصر على كبيرة ومن لا يخاف الله لا تؤمن غائلته ولا يوثق بصداقته بل يتغير بتغير الأغراض .
وقال تعالى ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وقال تعالى فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه وقال تعالى فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا و قال واتبع سبيل من أناب إلى وفي مفهوم ذلك زجر عن الفاسق .
وأما المبتدع ففي صحبته خطر سراية البدعة وتعدي شؤمها إليه فالمبتدع مستحق للهجر و المقاطعة فكيف تؤثر صحبته وقد قال عمر Bه في الحث على طلب التدين في الصديق فيما رواه سعيد بن المسيب قال عليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم فإنهم زينة في الرخاء وعدة في البلاء وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يجيئك ما يغلبك منه واعتزل عدوك وأحذر صديقك إلا الأمين من القوم ولا أمين إلا من خشي الله فلا تصحب الفاجر فتتعلم من فجوره ولا تطعه على سرك واستشر في أمرك الذين يخشون الله تعالى .
وأما حسن الخلق فقد جمعه علقمة العطاردى في وصيته لابنه حين حضرته الوفاة قال يا بني إذا عرضت لك إلى صحبة الرجال حاجة فاصحب من إذا خدمته صانك وإن صحبته زانك وإن قعدت بك مؤنة مانك اصحب من إذا مددت يدك بخير مدها وإن رأى منك حسنة عدها وإن رأى سيئة سدها اصحب من إذا سألته أعطاك وإن سكت ابتداك وإن نزلت بك نازلة واساك اصحب من إذا قلت صدق قولك وإن حاولتما أمرا أمرك وإن تنازعتما آثرك فكأنه جمع بهذا جميع حقوق الصحبة وشرط أن يكون قائما بجميعها .
قال ابن أكثم قال المأمون فأبن هذا فقيل له أتدري لم أوصاه بذلك .
قال