فإن قيل : كون الماء طهورا مستيقن وهو الأصل ومن يسلم أن الأصل في الأموال الحل بل الأصل فيها التحريم .
فنقول : الأمور لا تحرم لصفة في عينها حرمة الخمر والخنزير خلقت على صفة تستعد لقبول المعاملات بالتراضي كما خلق الماء مستعدا للوضوء وقد وقع الشك في بطلان هذا الاستعداد منهما فلا فرق بين الأمرين فإنها تخرج عن قبول المعاملة بالتراضي بدخول الظلم عليها كما يخرج الماء عن قبول الوضوء بدخول النجاسة عليه ولا فرق بين الأمرين .
والجواب الثاني : أن اليد دلالة ظاهرة دالة على الملك نازلة منزلة الاستصحاب وأقوى منه بدليل أن الشرع الحقه به إذ من ادعى عليه دين فالقول قوله لأن الأصل براءة ذمته وهذا استصحاب .
ومن ادعى عليه ملك في يده فالقول أيضا قوله إقامة لليد مقام الاستصحاب فكل ما وجد في يد إنسان فالأصل أنه ملكه ما لم يدل على خلافه علامة معينة .
البرهان الثالث هو أن كل ما دل على جنس لا يحصر ولا يدل على معين لم يعتبر وإن كان قطعا فبان لا يعتبر إذا دل بطريق الظن أولى وبيانه أن ما علم أنه ملك زيد فحقه يمنع من التصرف فيه بغير إذنه ولو علم أن له مالكا في العالم ولكن وقع اليأس عن الوقوف عليه وعلى وارثه فهو مال مرصد لمصالح المسلمين يجوز التصرف فيه بحكم المصلحة ولو دل على أن له مالكا محصورا في عشرة مثلا أو عشرين امتنع التصرف فيه بحكم المصلحة فالذي يشك في أن له مالكا سوى صاحب اليد أم لا لا يزيد على الذي يتيقن قطعا أن له مالكا ولكن لا يعرف عينه فليجز التصرف فيه بالمصلحة والمصلحة ما ذكرناه في الأقسام الخمسة فيكون هذا الأصل شاهدا له وكيف لا وكل مال ضائع فقد مالكه يصرفه السلطان إلى المصالح ومن المصالح الفقراء وغيرهم فلو صرف إلى فقير ملكه ونفذ فيه تصرفه فلو سرقه منه سارق قطعت يده فكيف نفذ تصرفه في ملك الغير ليس ذلك إلا لحكمنا بأن المصلحة تقتضي أن ينتقل الملك إليه ويحل له فقضينا بموجب المصلحة .
فإن قيل : ذلك يختص بالتصرف فيه السلطان .
فنقول : والسلطان لم يجوز له التصرف في ملك غيره بغير إذنه لا سبب له إلا المصلحة وهو أنه لو ترك لضاع فهو مردد بين تضييعه وصرفه إلى مهم والصرف إلى مهم أصلح من التضييع فرجح عليه والمصلحة فيما يشك فيه ولا يعلم تحريمه أن يحكم فيه بدلالة اليد ويترك على أرباب الأيدي إذ انتزاعها بالشك وتكليفهم الاقتصار على الحاجة يؤدي إلى الضرر الذي ذكرناه وجهات المصلحة تختلف فإن السلطان تارة يرى أن المصلحة أن يبني بذلك المال قنطرة وتارة أن يصرفه إلى جند الإسلام وتارة إلى الفقراء ويدور مع المصلحة كيفما دارت وكذلك الفتوى في مثل هذا تدور على المصلحة وقد خرج من هذا أن الخلق غير مأخوذين في أعيان الأموال بظنون لا تستند إلى خصوص دلالة في ملك الأعيان كما لم يؤاخذ السلطان والفقراء الآخذون منه بعلمهم أن المال له مالك حيث لم يتعلق العلم بعين مالك مشار إليه ولا فرق بين عين المالك وبين عين الأملاك في هذا المعنى فهذا بيان شبهة الاختلاط ولم يبق إلا النظر في امتزاج المائعات والدراهم والعروض في يد مالك واحد وسيأتي بيانه في باب تفصيل طريق الخروج من المظالم المثار الثالث للشبهة أن يتصل بالسبب المحلل معصية .
إما في قرائنه وإما في لواحقه وإما في سوابقه أو في عوضه وكانت من المعاصي التي لا توجب فساد العقد وإبطال السبب المحلل .
مثال المعصية في القرائن : البيع في وقت النداء يوم الجمعة والذبح بالسكين المغصوبة والاحتطاب بالقدوم المغصوب