وليس في المعاطاة إيذاء وإنما فيه ترك طريق التعبد فقط ثم ترك طريق التعبد بالمعاطاة أهون من تركه بالربا وهذا التفاوت يدرك بتشديد الشرع ووعيده وتأكيده في بعض المناهى على ما سيأتي في كتاب التوبة عند ذكر الفرق بين الكبيرة والصغيرة بل المأخوذ ظلما من فقير أو صالح أو من يتيم أخبث وأعظم من المأخوذ من قوي أو غني أو فاسق لأن درجات الإيذاء تختلف باختلاف درجات المؤذى فهذه دقائق في تفاصيل الخبائث لا ينبغي أن يذهل عنها فلولا اختلاف درجات العصاة لما اختلفت درجات النار وإذا عرفت مثارات التغليظ فلا حاجة إلى حصره في ثلاث درجات أو أربعة فإن ذلك جار مجرى التحكم والتشهي وهو طلب حصر فيما لا حاصر له ويدلك على اختلاف درجات الحرام في الخبث ما سيأتي في تعارض المحذورات وترجيح بعضها على بعض حتى إذا اضطر إلى أكل ميتة أو أكل طعام الغير أو أكل صيد الحرم فإنا نقدم بعض هذا على بعض أمثلة الدرجات الأربع في الورع وشواهدها .
أما الدرجة الأولى وهي ورع العدول فكل ما اقتضى الفتوى تحريمه مما يدخل في المداخل الستة التي ذكرناها من مداخل الحرام لفقد شرط من الشروط فهو الحرام المطلق الذي ينسب مقتحمه إلى الفسق و المعصية وهو الذي نريده بالحرام المطلق ولا يحتاج إلى أمثلة وشواهد .
وأما الدرجة الثانية فأمثلتها كل شبهة لا توجب اجتنابها ولكن يستجب اجتنابها كما سيأتي في باب الشبهات إذ من الشبهات ما يجب اجتنابها فتلحق بالحرام ومنها ما يكره اجتنابها فالورع عنها ورع الموسوسين كمن يمتنع من الاصطياد خوفا من أن يكون الصيد قد أفلت من إنسان أخذه وملكه وهذا وسواس .
ومنها .
ما يستحب اجتنابها ولا يجب وهو الذي ينزل عليه قوله A دع ما يريبك إلى مالا يريبك // حديث دع ما يريبك إلى مالا يريبك أخرجه النسائي والترمذي و الحاكم وصححاه من حديث الحسن بن علي // .
ونحمله على نهي التنزيه وكذلك قوله A كل ما أصميت ودع ما أنميت // حديث كل ما أصميت ودع ما أنميت أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس و البيهقي موقوفا عليه وقال إن المرفوع ضعيف // .
والإنماء أن يجرى الصيد فيغيب عنه ثم يدركه ميتا إذ يحتمل انه مات بسقطة أو بسبب آخر والذي نختاره كما سيأتي أن هذا ليس بحرام ولكن تركه من ورع الصالحين .
وقوله دع ما يريبك أمر تنزيه إذ ورد في بعض الروايات كل منه وإن غاب عنك ما لم تجد فيه أثرا غير سهمك ولذلك قال A لعدي بن حاتم في الكلب المعلم وإن أكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه على سبيل التنزيه لأجل الخوف .
إذ قال لأبي ثعلبة الخشنى كل منه فقال وإن أكل منه فقال وإن أكل // حديث قال لأبي ثعلبة كل منه فقال وإن أكل قال وإن أكل رواه أبو داود من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ومن حديث أبي ثعلبة أيضا مختصرا وإسنادهما جيد والبيهقي موقوفا عليه وقال إن المرفوع ضعيف // .
وذلك لأن حالة أبي ثعلبة وهو فقير مكتسب لا تحتمل هذا الورع وحال عدي كان يحتمله .
يحكى عن ابن سيرين أنه ترك لشريك له أربعة آلاف درهم لأنه حاك في قلبه شيء مع اتفاق العلماء على انه لا بأس به فأمثلة هذه الدرجة نذكرها في التعرض لدرجات الشبهة فكل ما هو شبهة لا يجب اجتنابه فهو مثال هذه الدرجة .
أما الدرجة الثالثة وهي ورع المتقين فيشهد لها قوله A لا يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع ما لا بأس به مخافة ما به بأس وقال عمر Bه .
كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة أن نقع في الحرام