ما علم من علوم الدين بعد السؤال عنه واجب لازم فمعنى قوله لا يلزمني أي في شرع الجدل الذي أبدعناه بحكم التشهي والرغبة في طريق الاحتيال والمصارعة بالكلام لا يلزمني وإلا فهو لازم بالشرع فإنه بامتناعه عن الذكر إما كاذب وإما فاسق فتفحص عن مشاورات الصحابة ومفاوضات السلف Bهم هل سمعت فيها ما يضاهي هذا الجنس وهل منع أحد من الانتقال من دليل إلى دليل ومن قياس إلى أثر ومن خبر إلى آية بل جميع مناظراتهم من هذا الجنس إذ كانوا يذكرون كل ما يخطر لهم كما يخطر وكانوا ينظرون فيه .
الثامن أن يناظر من يتوقع الاستفادة منه ممن هو مشتغل بالعلم .
والغالب أنهم يحترزون من مناظرة الفحول والأكابر خوفا من ظهور الحق على ألسنتهم فيرغبون فيمن دونهم طمعا في ترويج الباطل عليهم ووراء هذه شروط دقيقة كثيرة ولكن في هذه الشروط الثمانية ما يهديك إلى من يناظر لله ومن يناظر لعلة .
واعلم بالجملة أن من لا يناظر الشيطان وهو مستول على قلبه وهو أعدى عدو له ولا يزال يدعوه إلى هلاكه ثم يشتغل بمناظرة غيره في المسائل التي المجتهد فيها مصيب أو مساهم للمصيب في الأجر فهو ضحكة الشيطان وعبرة للمخلصين ولذلك شمت الشيطان به لما غمسه فيه من ظلمات الآفات التي نعددها ونذكر تفاصيلها فنسأل الله حسن العون والتوفيق .
بيان آفات المناظرة وما يتولد منها من مهلكات الأخلاق .
اعلم وتحقق أن المناظرة الموضوعة لقصد الغلبة والإفحام وإظهار الفضل والشرف والتشدق عند الناس وقصد المباهاة والمماراة واستمالة وجوه الناس هي منبع جميع الأخلاق المذمومة عند الله المحمودة عند عدو الله إبليس .
ونسبتها إلى الفواحش الباطنة من الكبر والعجب والحسد والمنافسة وتزكية النفس وحب الجاه وغيرها كنسبة شرب الخمر إلى الفواحش الظاهرة من الزنا والقذف والقتل والسرقة .
وكما أن الذي خير بين الشرب والفواحش وسائر الفواحش استصغر الشرب فأقدم عليه فدعاه ذلك إلى ارتكاب بقية الفواحش في سكره فكذلك من غلب عليه حب الإفحام والغلبة في المناظرة وطلب الجاه والمباهاة دعاه ذلك إلى إضمار الخبائث كلها في النفس وهيج فيه جميع الأخلاق المذمومة .
وهذه الأخلاق ستأتي أدلة مذمتها من الأخبار والآيات في ربع المهلكات .
ولكنا نشير الآن إلى مجامع ما تهيجه المناظرة فمنها الحسد وقد قال رسول الله A الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب // حديث الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة وقال البخاري لا يصح وهو عند ابن ماجه من حديث أنس بإسناد ضعيف وفي تاريخ بغداد بإسناد حسن // ولا ينفك المناظر عن الحسد فإنه تارة يغلب وتارة يغلب وتارة يحمد كلامه وأخرى يحمد كلام غيره .
فما دام يبقى في الدنيا واحد يذكره بقوة العلم والنظر أو يظن أنه أحسن منه كلاما وأقوى نظرا فلا بد أن يحسده ويحب زوال النعم عنه وانصراف القلوب والوجوه عنه إليه .
والحسد نار محرقة فمن بلى به فهو في العذاب في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد وأعظم ولذلك قال ابن عباس Bهما خذوا العلم حيث وجدتموه ولا تقبلوا قول الفقهاء بعضهم على بعض فإنهم يتغايرون كما تتغاير التيوس في الزريبة .
ومنها التكبر والترفع على الناس فقد قال A من تكبر وضعه الله ومن تواضع رفعه الله // حديث من تكبر وضعه الله الحديث أخرجه الخطيب من حديث عمر بإسناد صحيح وقال غريب من حديث الثوري ولابن ماجه نحوه من حديث أبي سعيد بسند حسن // وقال A حكاية عن الله تعالى العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما قصمته // حديث الكبرياء ردائي والعظمة إزاري الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه وابن حبان من حديث أبي هريرة وهو عند مسلم بلفظ الكبرياء رداؤه من حديث أبي هريرة وأبي سعيد // ولا ينفك المناظر عن التكبر على