زيف أشد من سرقة مائة درهم لأن السرقة معصية واحدة وقد تمت وانقطعت وإنفاق الزيف بدعة أظهرها في الدين وسنة سيئة يعمل بها من بعده فيكون عليه وزرها بعد موته إلى مائة سنة أو مائتي سنة إلى أن يفنى ذلك الدرهم ويكون عليه ما فسد من أموال الناس بسنته وطوبى لمن إذا مات ماتت معه ذنوبه والويل الطويل لمن يموت وتبقى ذنوبه مائة سنة ومائتي سنة أو أكثر يعذب بها في قبره ويسئل عنها إلى آخر انقراضها وقال تعالى ونكتب ما قدموا وآثارهم أي نكتب أيضا ما أخروه من آثار أعمالهم كما نكتب ما قدموه وفي مثله قوله تعالى ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر وإنما أخر آثار أعماله من سنة سيئة عمل بها غيره .
وليعلم أن في الزيف خمسة أمور .
الأول أنه إذا رد عليه شيء منه فينبغي أن يطرحه في بئر بحيث لا تمتد إليه اليد وإياه أن يروجه في بيع آخر .
وإن أفسده بحيث لا يمكن التعامل به جاز .
الثاني أنه يجب على التاجر تعلم النقد لا ليستقصي لنفسه ولكن لئلا يسلم إلى مسلم زيفا وهو لا يدري فيكون آثما بتقصيره في تعلم ذلك العلم .
فكل علم عمل به يتم نصح المسلمين .
فيجب تحصيله ولمثل هذا كان السلف يتعلمون علامات النقد نظرا لدينهم لا لدنياهم .
الثالث أنه إن سلم وعرف المعامل أنه زيف لم يخرج عن الإثم .
لأنه ليس يأخذه إلا ليروجه على غيره ولا يخبره ولو لم يعزم على ذلك لكان لا يرغب في أخذه أصلا .
فإنما يتخلص من إثم الضرر الذي يخص معامله فقط .
الرابع أن يأخذ الزيف ليعمل بقوله A رحم الله امرأ سهل البيع سهل الشراء سهل القضاء سهل الاقتضاء // حديث رحم الله امرءا سهل البيع سهل الشراء سهل القضاء سهل الاقتضاء أخرجه البخاري من حديث جابر // .
فهو داخل في بركة هذا الدعاء إن عزم على طرحه في بئر .
وإن كان عازما على أن يروجه في معاملة فهذا شر روجه الشيطان عليه في معرض الخير فلا يدخل تحت من تساهل في الاقتضاء .
الخامس أن الزيف نعني به ما لا نقرة فيه أصلا بل هو مموه .
أو ما لا ذهب فيه أعني في الدنانير .
أما ما فيه نقرة فإن كان مخلوطا بالنحاس وهو نقد البلد فقد اختلف العلماء في المعاملة عليه وجل رأينا الرخصة فيه إذا كان ذلك نقد البلد سواء علم مقدار النقرة أو لم يعلم وإن لم يكن هو نقد البلد لم يجز إلا إذا علم قدر النقرة فإن كان في ماله قطعة نقرتها ناقصة عن نقد البلد فعليه أن يخبر به معامله وأن لا يعامل به إلا من لا يستحل الترويج في جملة النقد بطريق التلبيس فأما من يستحل ذلك فتسليمه إليه تسليط له على الفساد فهو كبيع العنب ممن يعلم أنه يتخذه خمرا وذلك محظور وإعانة على الشر ومشاركة فيه وسلوك طريق الحق بمثال هذا في التجارة أشد من المواظبة على نوافل العبادات والتخلي لها ولذلك قال بعضهم التاجر الصدوق أفضل عند الله من المتعبد وقد كان السلف يحتاطون في مثل ذلك حتى روي عن بعض الغزاة في سبيل الله أنه قال حملت على فرسي لأقتل علجا فقصر بي فرسي فرجعت ثم دنا مني العلج فحملت ثانية فقصر فرسي فرجعت ثم حملت الثالثة فنفر مني فرسي وكنت لا أعتاد ذلك منه فرجعت حزينا وجلست منكس الرأس منكسر القلب لما فاتني من العلج وما ظهر لي من خلق الفرس فوضعت رأسي على عمود الفسطاط وفرسي قائم فرأيت في النوم كأن الفرس يخاطبني ويقول لي بالله عليك أردت أن تأخذ على العلج ثلاث مرات وأنت بالأمس اشتريت لي علفا ودفعت في ثمنه درهما زائفا لا يكون هذا أبدا .
قال فانتبهت فزعا فذهبت إلى العلاف وأبدلت ذلك الدرهم فهذا مثال ما يعم ضرره وليقس عليه أمثاله القسم الثاني ما يخص ضرره المعامل .
فكل ما يستضر به المعامل فهو ظلم وإنما العدل لا يضر بأخيه المسلم والضابط الكلي فيه أن لا يحب