وتحسين الخلق فإن المنفرد بنفسه أو المشارك لمن حسن خلقه لا تترشح منه خبائث النفس الباطنة ولا تنكشف بواطن عيوبه فحق على سالك الطريق الآخرة أن يجرب نفسه بالتعرض لأمثال هذه المحركات واعتياد الصبر عليها لتعتدل أخلاقه وترتاض نفسه ويصفو عن الصفات الذميمة باطنه والصبر على العيال مع انه رياضة ومجاهدة تكفل لهم وقيام بهم وعبادة في نفسها فهذه أيضا من الفوائد ولكنه لا ينتفع بها إلا أحد رجلين أما رجل قصد المجاهدة والرياضة وتهذيب الأخلاق لكونه في بداية الطريق فلا يبعد أن يرى هذا طريقا في المجاهدة وترتاض به نفسه .
وإما رجل من العابدين ليس له سير بالباطن وحركة بالفكر والقلب وانما عمله عمل الجوارح بالصلاة أو حج أو غيره فعمله لأهله وأولاده بكسب الحلال لهم والقيام بتربيتهم افضل له من العبادات اللازمة لبدنه التي لا يتعدى خيرها إلى غيرها فأما الرجل المهذب الأخلاق أما بكفاية في اصل الخلقة أو بمجاهدة سابقة إذا كان له سير في الباطن وحركة بفكر القلب في العلوم والمكاشفات فلا ينبغي أن يتزوج لهذا الغرض فان الرياضة هو مكفى فيها .
وأما العبادة في العمل بالكسب لهم فالعلم أفضل من ذلك لأنه أيضا عمل وفائدته أكثر من ذلك وأعم وأشمل لسائر الخلق من فائدة الكسب على العيال فهذه فوائد النكاح في الدين التي بها يحكم له بالفضيلة .
أما آفات النكاح فثلاث .
الأولى وهي أقواها العجز عن طلب الحلال فإن ذلك لا يتيسر لكل أحد لا سيما في هذه الأوقات مع اضطراب المعايش فيكون النكاح سببا في التوسع للطلب والإطعام من الحرام وفيه هلاكه وهلاك أهله والمتعزب في أمن من ذلك وأما المتزوج ففي الأكثر يدخل في مداخل السوء فيتبع هوى زوجته ويبيع آخرته بدنياه .
وفي الخبر إن العبد ليوقف عند الميزان وله من الحسنات أمثال الجبال فيسأل عن رعاية عائلته والقيام بهم وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه حتى يستغرق بتلك المطالبات كل أعماله فلا تبقى له حسنة فتنادي الملائكة هذا الذي أكل عياله حسناته في الدنيا وارتهن اليوم بأعماله // حديث إن العبد ليوقف عند الميزان وله من الحسنات أمثال الجبال ويسأل عن رعاية عياله والقيام بهنالحديث لم أقف له على أصل // .
ويقال إن أول ما يتعلق بالرجل في القيامة أهله وولده فيوقفونه بين يدي الله تعالى ويقولون يا ربنا خذ لنا بحقنا منه فإنه ما علمنا ما نجهل وكان يطعمنا الحرام ونحن لا نعلم فيقتص لهم منه .
وقال بعض السلف إذا أراد الله بعبد شرا سلط عليه في الدنيا أنيابا تنهشه يعني العيال .
وقال A لا يلقى الله أحد بذنب أعظم من جهالة أهله // حديث لا يلقى الله أحد بذنب أعظم من جهالة أهله ذكره صاحب الفردوس من حديث أبي سعيد ولم يجده ولده أبو منصور في مسنده // .
فهذه آفة عامة قل من يتخلص منها إلا من له مال موروث أو مكتسب من حلال يفي به وبأهله وكان له من القناعة ما يمنعه من الزيادة فإن ذاك يتخلص من هذه الآفة أو من هو محترف ومقتد على كسب حلال من المباحات باحتطاب أو اصطياد أو كان في صناعة لا تتعلق بالسلاطين ويقدر على أن يعامل به أهل الخير ومن ظاهره السلامة وغالب ماله الحلال وقال ابن سالم C وقد سئل عن التزويج فقال هو أفضل في زماننا هذا لمن أدركه شبق غالب مثل الحماريري الأتان فلا ينتهي عنها بالضرب ولا يملك نفسه فإن ملك نفسه فتركه أولى .
الآفة الثانية القصور عن القيام بحقهن والصبر على أخلاقهن واحتمال الأذى منهن وهذه دون الأولى في العموم فإن القدرة على هذا أيسر من القدرة على الأولى وتحسين الخلق مع النساء والقيام بحظوظهن أهون من طلب الحلال وفي هذا أيضا خطر لأنه راع ومسئول عن رعيته .
وقال A كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول // حديث كفي بالمرء إثما أن يضيع من يعول رواه أبو داود والنسائي بلفظ من يقوت وهو عند مسلم بلفظ آخر //