حتى فسد ودفع الموكل عن نفسه بنوع من الحيلة كان مستحقا للمقت والعتاب من سيده .
والله تعالى خلق الزوجين وخلق الذكر والأنثيين وخلق النطفة في الفقار وهيأ لها في الأنثيين عروقا ومجاري وخلق الرحم قرارا ومستودعا للنطفة وسلط متقاضي الشهوة على كل واحد من الذكر والأنثى فهذه الأفعال والآلات تشهد بلسان ذلق في الإعراب عن مراد خالقها وتنادي أرباب الألباب بتعريف ما أعدت له .
هذا إن لم يصرح به الخالق تعالى على لسان رسوله A بالمراد حيث قال تناكحوا تناسلوا فكيف وقد صرح بالأمر وباح بالسر فكل ممتنع عن النكاح معرض عن الحراثة مضيع للبذر معطل لما خلق الله من الآلات المعدة وجان على مقصود الفطرة والحكمة المفهومة من شواهد الخلقة المكتوبة على هذه الأعضاء بخط إلهي ليس برقم حروف وأصوات يقرؤه كل من له بصيرة ربانية نافذة في إدراك دقائق الحكمة الأزلية ولذلك عظم الشرع الأمر في القتل للأولاد وفي الوأد لأنه منع لتمام الوجود وإليه أشار من قال العزل أحد الوأدين فالناكح ساع في إتمام ما أحب الله تعالى تمامه والمعرض معطل ومضيع لما كره الله ضياعه ولأجل محبة الله تعالى لبقاء النفوس أمر بالإطعام وحث عليه وعبر عنه بعبادة القرض فقال من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فإن قلت قولك إن بقاء النسل والنفس محبوب يوهم أن فناءها مكروه عند الله وهو فرق بين الموت والحياة بالإضافة إلى إرادة الله تعالى ومعلوم أن الكل بمشيئة الله وإن الله غني عن العالمين فمن أين يتميز عنده موتهم عن حياتهم أو بقاؤهم عن فنائهم فاعلم أن هذه الكلمة حق أريد بها باطل فإن ما ذكرناه لا ينافي إضافة الكائنات كلها إلى إرادة الله خيرها وشرها ونفعها وضرها ولكن المحبة والكراهية يتضادان وكلاهما لا يضادان الإرادة فرب مراد مكروه ورب مراد محبوب فالمعاصي مكروهة وهي مع الكراهة مرادة والطاعات مرادة ومزمع كونها مرادة محبوبة ومرضية أما الكفر والشر فلا نقول إنه مرضي ومحبوب بل هو مراد .
وقد قال الله تعالى ولا يرضى لعباده الكفر فكيف يكون الفناء بالإضافة إلى محبة الله وكراهته كالبقاء فإنه تعالى يقول ما ترددت في شيء كترددي في قبض روح عبدي المسلم هو يكره الموت وأنا أكره مساءته ولا بد له من الموت // حديث أنه تعالى يقول ما ترددت في شيء كترددي في قبض روح عبدي المسلم يكره الموت وأنا أكره مساءته ولا بد منه أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة انفرد به مخلد القطواني وهو متكلم فيه // .
فقوله لا بد له من الموت إشارة إلى سبق الإرادة والتقدير المذكور في قوله تعالى نحن قدرنا بينكم الموت وفي قوله تعالى الذي خلق الموت والحياة ولا مناقضة بين قوله تعالى نحن قدرنا بينكم الموت وبين قوله وأنا أكره مساءته ولكن إيضاح الحق في هذا يستدعي تحقيق معنى الإرادة والمحبة والكراهة وبيان حقائقها فإن السابق إلى الأفهام منها أمور تناسب إرادة الخلق ومحبتهم وكراهتهم وهيهات فبين صفات الله تعالى وصفات الخلق من البعد ما بين ذاته العزيز وذاتهم وكما أن ذوات الخلق جوهر وعرض وذات الله مقدس عنه ولا يناسب ما ليس بجوهر وعرض الجوهر والعرض فكذا صفاته لا تناسب صفات الخلق وهذه الحقائق داخلة في علم المكاشفة ووراء سر القدر الذي منع من إفشائه فلنقصر عن ذكره ولنقتصر على ما نبهنا عليه من الفرق بين الإقدام على النكاح والإحجام عنه فإن أحدهما مضيع نسلا أدام الله وجوده من آدم A عقبا بعد عقب إلى أن انتهى إليه فالممتنع عن النكاح قد حسم الوجود المستدام من لدن وجود آدم عليه السلام على نفسه فمات أبتر لا عقب له ولو كان الباعث على النكاح مجرد دفع الشهوة لما قال معاذ في الطاعون زوجوني لا ألقى الله عزبا فإن قلت فما كان معاذ يتوقع ولدا في ذلك الوقت فما وجه رغبته فيه فأقول الولد يحصل بالوقاع