ومن يستجيز من أهل الطامات مثل هذه التأويلات مع علمه بأنها غير مرادة بالألفاظ ويزعم أنه يقصد بها دعوة الخلق إلى الخالق يضاهي من يستجيز الاختراع والوضع على رسول الله A لما هو في نفسه حق ولكن لم ينطق به الشرع كمن يضع في كل مسألة يراها حقا حديثا عن النبي A فذلك ظلم وضلال ودخول في الوعيد المفهوم من قوله A من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار // حديث من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار متفق عليه من حديث أبي هريرة وعلي وأنس // بل الشر في تأويل هذه الألفاظ أطم وأعظم لأنها مبدلة للثقة بالألفاظ وقاطعة طريق الاستفادة والفهم من القرآن بالكلية فقد عرفت كيف صرف الشيطان دواعي الخلق عن العلوم المحمودة إلى المذمومة فكل ذلك من تلبيس علماء السوء بتبديل الأسامي فإن اتبعت هؤلاء اعتمادا على الاسم المشهور من غير التفات إلى ما عرف في العصر الأول كنت كمن طلب الشرف بالحكمة باتباع من يسمى حكيما فإن اسم الحكيم صار يطلق على الطبيب والشاعر والمنجم في هذا العصر وذلك بالغفلة عن تبديل الألفاظ اللفظ الخامس وهو الحكمة فإن اسم الحكيم صار يطلق على الطبيب والشاعر والمنجم حتى على الذي يدحرج القرعة على أكف السوادية في شوارع الطرق .
والحكمة هي التي أثنى الله D عليها فقال تعالى يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وقال A كلمة من الحكمة يتعلمها الرجل خير له من الدنيا وما فيها // حديث كلمة من الحكمة يتعلمها الرجل خير له من الدنيا تقدم بنحوه // فانظر ما الذي كانت الحكمة عبارة عنه وإلى ماذا نقل وقس به بقية الألفاظ واحترز عن الاغترار بتلبيسات علماء السوء فإن شرهم على الدين أعظم من شر الشياطين إذ الشيطان بواسطتهم يتدرج إلى انتزاع الدين من قلوب الخلق ولهذا لما سئل رسول الله A عن شر الخلق أبى وقال اللهم اغفر حتى كرروا عليه فقال هم علماء السوء // حديث لما سئل عن شر الخلق أبي وقال اللهم اغفر الحديث رواه الدارمي بنحوه من رواية الأحوص بن حكيم عن أبيه مرسلا وهو ضعيف ورواه البزار في مسنده من حديث معاذ بسند ضعيف // فقد عرفت العلم المحمود والمذموم ومثار الالتباس وإليك الخيرة في أن تنظر لنفسك فتقتدي بالسلف أو تتدلى بحبل الغرور وتتشبه بالخلف فكل ما ارتضاه السلف من العلوم قد اندرس وما أكب الناس عليه فأكثره مبتدع ومحدث وقد صح قول رسول الله A بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء فقيل ومن الغرباء قال الذين يصلحون ما أفسده الناس من سنتي والذين يحيون ما أماتوه من سنتي // حديث بدأ الإسلام غريبا الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة مختصرا وهو بتمامه عند الترمذي من حديث عمرو بن عوف وحسنه // وفي آخر هم المتمسكون بما أنتم عليه اليوم // حديث هم المتمسكون بما أنتم عليه اليوم يقوله في وصف الغرباء لم أر له أصلا // وفي حديث آخر الغرباء ناس قليل صالحون بين ناس كثير ومن يبغضهم في الخلق أكثر ممن يحبهم // حديث الغرباء ناس قليلون صالحون أخرجه أحمد من حديث عبد الله بن عمرو // وقد صارت تلك العلوم غريبة بحيث يمقت ذاكرها ولذلك قال الثوري C إذا رأيت العالم كثير الأصدقاء فاعلم أنه مخلط لأنه إن نطق بالحق أبغضوه .
بيان القدر المحمود من العلوم المحمودة .
اعلم أن العلم بهذا الاعتبار ثلاثة أقسام قسم هو مذموم قليله وكثيره وقسم هو محمود قليله وكثيرة وكلما كان أكثر كان أحسن وأفضل وقسم يحمد منه مقدار الكفاية ولا يحمد الفاضل عليه والاستقصاء فيه وهو مثل