به بعد المكتوبات ورواتبها ويدل على ذلك جميع ما ذكرناه في فضيلة التعليم والتعلم في كتاب العلم وكيف لا يكون كذلك وفي العلم المواظبة على ذكر الله تعالى وتأمل ما قال الله تعالى وقال رسوله وفيه منفعة الخلق وهدايتهم إلى طريق الآخرة ورب مسألة واحدة يتعلمها المتعلم فيصلح بها عبادة عمره ولو لم يتعلمها لكان سعيه ضائعا وإنما نعني بالعلم المقدم على العبادة العلم الذي يرغب الناس في الآخرة ويزهدهم في الدنيا أو العلم الذي يعينهم على سلوك طريق الآخرة إذا تعلموه على قصد الاستعانة به على السلوك دون العلوم التي تزيد بها الرغبة في المال والجاه وقبول الخلق والأولى بالعالم أن يقسم أوقاته أيضا فإن استغراق الأوقات في ترتيب العلم لا يحتمله الطبع فينبغي أن يخصص ما بعد الصبح إلى طلوع الشمس بالأذكار والأوراد كما ذكرناه في الورد الأول وبعد الطلوع إلى ضحوة النهار في الإفادة والتعليم إن كان عنده من يستفيد علما لأجل الآخرة وإن لم يكن فيصرفه إلى الفكر ويتفكر فيما يشكل عليه من علوم الدين فإن صفاء القلب بعد الفراغ من الذكر وقبل الاشتغال بهموم الدنيا يعين على التفطن للمشكلات ومن ضحوة النهار إلى العصر للتصنيف والمطالعة لا يتركها إلا في وقت أكل وطهارة ومكتوبة وقيلولة خفيفة إن طال النهار ومن العصر إلى الاصفرار يشتغل بسماع ما يقرأ بين يديه من تفسير أو حديث أو علم نافع ومن الاصفرار إلى الغروب يشتغل بالذكر والاستغفار والتسبيح فيكون ورده الأول قبل طلوع الشمس في عمل اللسان وورده الثاني في عمل القلب بالفكر إلى الضحوة وورده الثالث إلى العصر في عمل العين واليد بالمطالعة والكتابة وورده الرابع بعد العصر في عمل السمع ليروح فيه العين واليد فإن المطالعة والكتابة بعد العصر ربما أضرا بالعين وعند الاصفرار يعود إلى ذكر اللسان فلا يخلو جزء من النهار عن عمل له بالجوارح مع حضور القلب في الجميع وأما الليل فأحسن قسم فيه قسمة الشافعي Bه إذ كان يقسم الليل ثلاثة أجزاء ثلثا للمطالعة وترتيب العلم وهو الأول وثلثا للصلاة وهو الوسط وثلثا للنوم وهو الأخير وهذا يتيسر في ليالي الشتاء والصيف ربما لا يحتمل ذلك إلا إذا كان أكثر النوم بالنهار فهذا ما نستحبه من ترتيب أوراد العالم الثالث المتعلم والاشتغال بالتعلم أفضل من الاشتغال بالأذكار والنوافل فحكمه حكم العالم في ترتيب الأوراد ولكن يشتغل بالاستفادة حيث يشتغل العالم بالإفادة وبالتعليق والنسخ حيث يشتغل العالم بالتصنيف ويرتب أوقاته كما ذكرنا وكل ما ذكرناه في فضيلة التعلم والعلم من كتاب العلم يدل على أن ذلك أفضل بل إن لم يكن متعلما على معنى أنه يعلق ويحصل ليصير عالما بل كان من العوام فحضوره مجالس الذكر والوعظ والعلم أفضل من اشتغاله بالأوراد التي ذكرناها بعد الصبح وبعد الطلوع وفي سائر الأوقات ففي حديث أبي ذر Bه أن حضور مجلس ذكر أفضل من صلاة ألف ركعة وشهود ألف جنازة وعيادة ألف مريض // حديث أبي ذر حضور مجلس علم أفضل من صلاة ألف ركعة الحديث تقدم في العلم // وقال A إذا رأيتم رياض الجنة فارتعوا فيها فقيل يا رسول الله وما رياض الجنة قال حلق الذكر // حديث إذا رأيتم رياض الجنة فارتعوا فيها الحديث تقدم في العلم // وقال كعب الأحبار Bه لو أن ثواب مجالس العلماء بدا للناس لاقتتلوا عليه حتى يترك كل ذي إمارة إمارته وكل ذي سوق سوقه وقال عمر بن الخطاب Bه إن الرجل ليخرج من منزله وعليه من الذنوب مثل جبال تهامة فإذا سمع العالم خاف واسترجع عن ذنوبه وانصرف إلى منزله وليس عليه ذنب فلا تفارقوا مجالس العلماء فإن الله D لم يخلق على وجه الأرض تربة أكرم من مجالس العلماء وقال رجل للحسن C أشكو إليك قساوة قلبي فقال أدنه من مجالس الذكر