ما صليت صلاة منذ أربعين سنة إلا وأنا أدعو فيها للشافعي لما فتح الله D عليه من العلم ووفقه للسداد فيه .
ولنقتصر على هذه النبذة من أحواله فإن ذلك خارج عن الحصر وأكثر هذه المناقب نقلناه من الكتاب الذي صنفه الشيخ نصر بن إبراهيم المقدسي C تعالى في مناقب الشافعي Bه وعن جميع المسلمين .
وأما الإمام مالك Bه فإنه كان أيضا متحليا بهذه الخصال الخمس فإنه قيل له ما تقول يا مالك في طلب العلم فقال حسن جميل ولكن انظر إلى الذي يلزمك من حين تصبح إلى حين تمسي فالزمه وكان C تعالى في تعظيم علم الدين مبالغا حتى كان إذا أراد أن يحدث توضأ وجلس على صدر فراشه وسرح لحيته واستعمل الطيب وتمكن من الجلوس على وقار وهيبة ثم حدث فقيل له في ذلك فقال أحب أن أعظم حديث رسول الله A .
وقال مالك العلم نور يجعله الله حيث يشاء وليس بكثرة الرواية وهذا الاحترام والتوقير يدل على قوة معرفته بجلال الله تعالى وأما إرادته وجه الله تعالى بالعلم فيدل عليه قوله الجدال في الدين ليس بشيء .
ويدل عليه قول الشافعي C إني شهدت مالكا وقد سئل عن ثمان وأربعين مسئلة فقال في اثنتين وثلاثين منها لا أدري .
ومن يرد غير وجه الله تعالى بعلمه فلا تسمح نفسه بأن يقر على نفسه بأنه لا يدري ولذلك قال الشافعي Bه إذا ذكر العلماء فمالك النجم الثاقب وما أحد أمن علي من مالك .
وروي أن أبا جعفر المنصور منعه من رواية الحديث في طلاق المكره ثم دس عليه من يسأله فروى على ملأ من الناس ليس على مستكره طلاق فضربه بالسياط ولم يترك رواية الحديث .
وقال مالك C ما كان رجل صادقا في حديثه ولا يكذب إلا متع بعقله ولم يصبه مع الهرم آفة ولا خرف .
وأما زهده في الدنيا فيدل عليه ما روي أن المهدي أمير المؤمنين سأله فقال له هل لك من دار فقال لا ولكن أحدثك سمعت ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول نسب المرء داره وسأله الرشيد هل لك دار فقال لا فأعطاه ثلاثة آلاف دينار وقال اشتر بها دارا فأخذها ولم ينفقها فلما أراد الرشيد الشخوص قال لمالك C ينبغي أن تخرج معنا فإني عزمت على أن أحمل الناس على الموطأ كما حمل عثمان Bه الناس على القرآن فقال له أما حمل الناس على الموطأ فليس إليه سبيل لأن أصحاب رسول الله A افترقوا بعده في الأمصار فحدثوا فعند كل أهل مصر علم وقد قال A اختلاف أمتي رحمة // حديث اختلاف أمتي رحمة ذكره البيهقي في رسالته الأشعرية تعليقا وأسنده في المدخل من حديث ابن عباس بلفظ اختلاف أصحابي لكم رحمة وإسناده ضعيف // وأما الخروج معك فلا سبيل إليه قال رسول الله A المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون // حديث المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون متفق عليه من حديث سفيان ابن أبي زهير // وقال A المدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد // حديث المدينة تنفي خبثها الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة // وهذه دنانيركم كما هي إن شئتم فخذوها وإن شئتم فدعوها يعني أنك إنما تكلفني مفارقة المدينة لما اصطنعته إلي فلا أوثر الدنيا على مدينة رسول الله A فهكذا كان زهد مالك في الدنيا ولما حملت إليه الأموال الكثيرة من أطراف الدنيا لانتشار علمه وأصحابه كان يفرقها في وجوه الخير ودل سخاؤه على زهده وقلة حبه للدنيا وليس الزهد فقد المال وإنما الزهد فراغ القلب عنه ولقد كان سليمان عليه السلام في ملكه من الزهاد .
ويدل على احتقاره للدنيا ما روي عن الشافعي C أنه قال رأيت على باب مالك كراعا من أفراس خراسان ويقال مصر ما رأيت أحسن منه فقلت لمالك C ما أحسنه فقال هو هدية مني إليك يا أبا عبد الله فقلت دع لنفسك منها دابة تركبها