وكذلك يتفكر فيما سنورده من عذاب القبر وسؤال منكر ونكير ومن الحشر والنشر وأهوال القيامة وقرع النداء يوم العرض الأكبر .
فأمثال هذه الأفكار هي التي تجدد ذكر الموت على قلبه وتدعوه إلى الاستعداد له .
بيان مراتب الناس في طول الأمل وقصره .
أعلم أن الناس في ذلك يتفاوتون فمنهم من يأمل البقاء ويشتهى ذلك أبدا قال الله تعالى يود أحدهم لو يعمر ألف سنة ومنهم من يأمل البقاء إلى الهرم وهو أقصى العمر الذي شاهده ورآه وهو الذي يحب الدنيا حبا شديدا قال رسول الله A الشيخ شاب في حب طلب الدنيا وإن التفت ترقوتاه من الكبر إلا الذين اتقوا وقليل ما هم // حديث الشيخ شاب في حب الدنيا وإن التفت ترقوتاه من الكبر إلا الذين اتقوا وقليل ما هم لم أجده بهذا اللفظ وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قلب الشيخ شاب على حب اثنتين طول الحياة وحب المال // ومنهم من يأمل إلى سنة فلا يشتغل بتدبير ما وراءها فلا يقدر لنفسه وجودا في عام قابل ولكن هذا يستعد في الصيف للشتاء وفي الشتاء للصيف فإذا جمع ما يكفيه لسنته اشتغل بالعبادة ومنهم من يأمل مدة الصيف أو الشتاء فلا يدخر في الصيف ثياب الشتاء ولا في الشتاء ثياب الصيف .
ومنهم من يرجع أمله إلى يوم وليلة فلا يستعد إلا لنهاره وأما للغد فلا .
قال عيسى عليه السلام لا تهتموا برزق غد فإن يكن غد من آجالكم فستأتى فيه أرزاقكم مع آجالكم وإن لم يكن من آجالكم فلا تهتموا لآجال غيركم .
ومنهم من لا يجاوز أمله ساعة كما قال نبينا A يا عبد الله إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح ومنهم من لا يقدر البقاء أيضا ساعة كان رسول الله A يتيمم مع القدرة على الماء قبل مضي ساعة ويقول لعلى لا أبلغه ومنهم من يكون الموت نصب عينيه كأنه واقع به فهو ينتظره وهذا الإنسان هو الذي يصلي صلاة مودع وفيه ورد ما نقل عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه لما سأله رسول الله A عن حقيقة إيمانه فقال ما خطوت خطوة إلا ظننت أنى لا أتبعها أخرى // حديث سؤاله لمعاذ عن حقيقة إيمانه فقال ما خطوت خطوة إلا طننت أني لا أتبعها أخرى أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث أنس وهو ضعيف // وكما نقل عن الأسود وهو حبشي أنه كان يصلي ليلا ويلتفت يمينا وشمالا فقال له قائل ما هذا قال أنظر ملك الموت من أي جهة يأتينى .
فهذه مراتب الناس ولكل درجات عند الله وليس من أمله مقصور على شهر كمن أمله شهر ويوم بل بينهما تفاوت في الدرجة عند الله ف إن الله لا يظلم مثقال ذرة ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ثم يظهر أثر قصر الأمل في المبادرة إلى العمل وكل إنسان يدعى أنه قصير الأمل وهو كاذب إنما يظهر ذلك بأعماله فإنه يعتنى بأسباب ربما لا يحتاج إليها في سنة فيدل ذلك على طول أمله .
وإنما علامة التوفيق أن يكون الموت نصب العين لا يغفل عنه ساعة فليستعد للموت الذي يرد عليه في الوقت فإن عاش إلى المساء شكر الله تعالى على طاعته وفرح بأنه لم يضيع نهاره بل استوفى منه حظه وادخره لنفسه ثم يستأنف مثله إلى الصباح وهكذا إذا أصبح .
ولا يتيسر هذا إلا لمن فرغ القلب عن الغد وما يكون فيه .
فمثل هذا إذا مات سعد وغنم وإن عاش سر بحسن الاستعداد ولذة المناجاة فالموت له سعادة والحياة له مزيد فليكن الموت على بالك يا مسكين فإن السير حاث بك وأنت غافل عن نفسك ولعلك قد قاربت المنزل وقطعت المسافة ولا تكون كذلك إلا بمبادرة العمل اغتناما لكل نفس أمهلت فيه