وزيادات ونقصانات لينطبق بعضها على بعض ويطول ذكر وجه الحكمة فيها .
ثم ركب الرقبة على الظهر وركب الظهر من أسفل الرقبة إلى منتهى عظم العجز من أربع وعشرين خرزة وركب عظم العجز من ثلاثة أجزاء مختلفة فيتصل به من أسفله عظم العصعص وهو أيضا مؤلف من ثلاثة أجزاء .
ثم وصل عظام الظهر بعظام الصدر وعظام الكتف وعظام اليدين وعظام العانة وعظام العجز وعظام الفخذين والساقين وأصابع الرجلين فلا نطول بذكر عدد ذلك ومجموع عدد العظام فى بدن الإنسان مائتا عظم وثمانية وأربعون عظما سوى العظام الصغيرة التى حشى بها خلل المفاصل فانظر كيف خلق جميع ذلك من نطفة سخيفة رقيقة .
وليس المقصود من ذكر أعداد العظام أن يعرف عددها فإن هذا علم قريب يعرفه الأطباء والمشرحون إنما الغرض أن ينظر منها فى مدبرها وخالقها أنه كيف قدرها ودبرها وخالف بين أشكالها وأقدارها وخصصها بهذا العدد المخصوص لأنه لو زاد عليها واحدا لكان وبالا على الإنسان يحتاج إلى قلعه ولو نقص منها واحدا لكان نقصانا يحتاج إلى جبره فالطبيب ينظر فيها ليعرف وجه العلاج فى جبرها وأهل البصائر ينظرون فيها ليستدلوا بها على جلالة خالقها ومصورها فشتان بين النظرين .
ثم انظر كيف خلق الله تعالى آلات لتحريك العظام وهو العضلات فخلق فى بدن الإنسان خمسمائة عضلة وتسعا وعشرين عضلة والعضلةمركبة من لحم وعصب ورباط وأغشية وهى مختلفة المقادير والأشكال بحسب اختلاف مواضعها وقدر حاجاتها فأربع وعشرون عضلة منها هى لتحريك حدقة العين وأجفانها لو نقصت واحدة من جملتها اختل أمر العين وهكذا لكل عضو عضلات بعدد مخصوص وقدر مخصوص وأمر الاعصاب والعروق والأوردة والشرايين وعددها ومنابتها وانشعاباتها أعجب من هذا كله وشرحه يطول فللفكر مجال فى آحاد هذه الأجزاء ثم فى جملة البدن فكل ذلك نظر إلى عجائب أجسام البدن وعجائب المعانى والصفات التى لا تدرك بالحواس أعظم فانظر الآن إلى ظاهر الإنسان وباطنه وإلى بدنه وصفاته فترى به من العجائب والصنعة ما يقضى به العجب وكل ذلك صنع الله فى قطرة ماء قذرة فترى من هذا صنعه فى قطرة ماء فما صنعه فى ملكوت السموات وكواكبها وما حكمته فى أوضاعها وأشكالها ومقاديرها وأعدادها واجتماع بعضها وتفرق بعضها واختلاف صورها وتفاوت مشارقها ومغاربها فلا تظنن أن ذرة من ملكوت السموات تنفك عن حكمة وحكم بل هى أحكم حلقا وأتقن صنعا وأجمع للعجائب من بدن الإنسان بل لا نسبة لجميع ما فى الارض إلى عجائب السموات ولذلك قال تعالى أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها .
فارجع الآن إلى النطفة وتأمل حالها أولا وما صارت إليه ثانيا وتأمل أنه لو اجتمع الجن والإنس على أن يخلقوا للنطفة سمعا أو بصرا أو عقلا أو قدرة أو علما أو روحا أو يخلقوا فيها عظما أو عرقا أو عصبا أو جلدا أو شعرا هل يقدرون على ذلك بل لو أرادوا أن يعرفوا كنه حقيقته وكيفية خلقته بعد أن خلق الله تعالى ذلك لعجزوا عنه فالعجب منك لو نظرت إلى صورة إنسان مصور على حائط تأنق النقاش فى تصويرها حتى قرب ذلك من صورة الإنسان وقال الناظر إليها كأنه إنسان عظم تعجبك من صنعة النقاش وحذقه وخفة يده وتمام فطنته وعظم فى قلبك محله مع أنك تعلم أن تلك الصورة إنما تمت بالصبغ والقلم واليد وبالقدرة وبالعلم وبالإرادة وشىء من ذلك ليس من