المضطر وقد أصبحت إليه اليوم مضطرة وإلى رحمته محتاجة وقد ضاقت بك السبل وانسدت عليك الطرق وانقطعت منك الحيل ولم تنجح فيك العظات ولم يكسرك التوبيخ فالمطلوب منه كريم والمسئول جواد والمستغاث به بر رءوف والرحمة واسعة والكرم فائض والعفو شامل وقولى يا أرحم الراحمين يا رحمن يا رحيم يا حليم يا عظيم يا كريم أنا المذنب المصر أنا الجرىء الذى لا أقلع أنا المتمادى الذى لا أستحى هذا مقام المتضرع المسكين والبائس الفقير والضعيف الحقير والهالك الغريق فعجل إغاثتى وفرجى وأرنى آثار رحمتك وأذقنى برد عفوك ومغفرتك وارزقنى قوة عظمتك يا أرحم الراحمين .
اقتداء بأبيك آدم عليه السلام فقد قال وهب بن منبه لما أهبط الله آدم من الجنة إلى الأرض مكث لا ترقأ له دمعة فاطلع الله D عليه في اليوم السابع وهو محزون كئيب كظيم منكس رأسه فأوحى الله تعالى إليه يا آدم ما هذا الجهد الذى أرى بك قال يا رب عظمت مصيبتى وأحاطت بى خطيئتى وأخرجت من ملكوت ربى فصرت في دار الهوان بعد الكرامة وفي دار الشقاء بعد السعادة وفي دار النصب بعد الراحة وفي دار البلاء بعد العافية وفي دار الزوال بعد القرار وفي دار الموت والفناء بعد الخلود والبقاء فكيف لا أبكى على خطيئتى فأوحى الله تعالى إليه يا آدم ألم أصطفك لنفسى وأحللتك دارى وخصصتك بكرامتى وحذرتك سخطى ألم أخلقك بيدى ونفخت فيك من روحى وأسجدت لك ملائكتى فعصيت أمرى ونسيت عهدى وتعرضت لسخطى فو عزتى وجلالى لو ملأت الأرض رجالا كلهم مثلك يعبدونني ويسبحونني ثم عصونى لأنزلتهم منازل العاصين فبكى آدم عليه السلام عند ذلك ثلثمائة عام .
وكان عبيد الله البجلى كثير البكاء يقول في بكائه طول ليله إلهى أنا الذى كلما طال عمرى زادت ذنوبى أنا الذى كلما هممت بترك خطيئة عرضت لى شهوة أخرى واعبيداه خطيئة لم تبل وصاحبها في طلب أخرى واعبيداه إن كانت النار لك مقيلا ومأوى واعبيداه إن كانت المقامع برأسك تهيأ واعبيداه قضيت حوائج الطالبين ولعل حاجتك لا تقضى .
وقال منصور بن عمار سمعت في بعض الليالى بالكوفة عابدا يناجى ربه وهو يقول يا رب وعزتك ما أرد بمعصيتك مخالفتك ولا عصيتك إذ عصيتك وأنا بمكانك جاهل ولا لعقوبتك متعرض ولا لنظرك مستخف ولكن سولت لى نفسى وأعاننى على ذلك شقوتى وغرنى سترك المرخى على فعصيتك بجهلى وخالفتك بفعلى فمن عذابك الآن من يستنقذنى أو بحبل من أعتصم إن قطعت حبلك عنى واسوأتاه من الوقوف بين يديك غدا إذا قيل للمخفين جوزوا وقيل للمثقلين حطوا أمع المخفين أجوز أم مع المثقلين أحط ويلى كلما كبرت سنى كثرت ذنوبى ويلى كلما طال عمرى كثرت معاصى فإلى متى أتوب وإلى متى أعود أما آن لى أن أستحيى من ربي .
فهذه طرق القوم في مناجاة مولاهم وفي معاتبة نفوسهم وإنما مطلبهم من المناجاة الاسترضاء ومقصدهم من المعاتبة التنبيه والاسترعاء فمن أهمل المعاتبة والمناجاة لم يكن لنفسه مراعيا ويوشك أن لا يكون الله تعالى عنه راضيا والسلام ثم كتاب المحاسبة والمراقبة .
يتلوه كتاب التفكر إن شاء الله تعالى والحمد لله وحده وصلاته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلامه