ديارنا قال فكنت أسمع لها من الليل أنينا وشهيقا فقلت يوما لخادم لي أشرف على هذه المرأة ماذا تصنع قال فأشرف عليها فما رآها تصنع شيئيا غير أنها لا ترد طرفها عن السماء وهي مستقبلة القبلة تقول خلقت سرية ثم غذيتها بنعمتك من حال إلى حال وكل أحوالك لها حسنة وكل بلائك عندها جميل وهي مع ذلك متعرضة لسخطك بالتوثب على معاصيك فلتة بعد فلتة أتراها تظن أنك لا ترى فعالها وأنت عليم خبير وأنت على كل شيء قدير وقال ذو النون المصري خرجت ليلة من وادي كنعان فلما علوت الوادي إذا سواد مقبل على وهو يقول وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ويبكي فلما قرب مني السواد اذا هي امرأة عليها جبة صوف وبيدها ركوة فقالت لي من أنت غير فزعة مني فقلت رجل غريب فقالت يا هذا وهل يوجد مع الله غربة قال فبكيت لقولها فقالت ما الذي أبكاك فقلت قد وقع الدواء على داء قد قرح فأسرع في نجاحه قالت فإن كنت صادقا فلم بكيت قلت يرحمك الله والصادق لا يبكي قالت لا قلت ولم ذاك قالت لأن البكاء راحة القلب فسكت متعجبا من قولها .
وقال أحمد بن علي استأذنا على عفيرة فحجبتنا فلازمنا الباب فلما علمت ذلك قامت لتفتح الباب لنا فسمعتها وهي تقول اللهم إني أعوذ بك ممن جاء يشغلني عن ذكرك ثم فتحت الباب ودخلنا عليها فقلنا لها يا أمة الله ادعي لنا فقالت جعل الله قراءكم في بيتى المغفرة ثم قالت لنا مكث عطاء السلمى أربعين سنة فكان لا ينظر إلى السماء فحانت منه نظرة فخر مغشيا عليه فأصابه فتق في بطنه فيا ليت عفيرة إذا رفعت رأسها لم تعص وياليتها إذا عصت لم تعد وقال بعض الصالحين خرجت يوما إلى السوق ومعى جارية حبشية فاحتبستها في موضع بناحية السوق وذهبت في بعض حوائجى وقلت لا تبرحى حتى أنصرف إليك قال فانصرفت فلم أجدها في الموضع فانصرفت إلى منزلى وأنا شديد الغضب عليها فلما رأتنى عرفت الغضب في وجهى فقالت يا مولاى لا تعجل على إنك أجلستنى في موضع لم أر فيه ذاكرا لله تعالى فخفت أن يخسف بذلك الموضع فعجبت لقولها وقلت لها أنت حرة .
فقالت ما صنعت كنت أخدمك فيكون لى أجران وأما الآن فقد ذهب عنى أحدهما .
وقال ابن العلاء السعدى كانت لى ابنة عم يقال لها بريرة تعبدت وكانت كثيرة القراءة في المصحف فكلما أتت على آية فيها ذكر النار بكت فلم تزل تبكى حتى ذهبت عيناها من البكاء فقال بنو عمها انطلقوا بنا إلى هذه المرأة حتى نعدلها في كثرة البكاء قال فدخلنا عليها فقلنا يا بريرة كيف أصبحت قالت أصبحنا أضيافا منيخين بأرض غربة ننتظر متى ندعى فنجيب فقلنا لها ما هذا البكاء قد ذهبت عيناك منه فقالت إن يكن لعينى عند الله خير فما يضرهما ما ذهب منهما في الدنيا وإن كان لهما عند الله شر فسيزيدهما بكاء أطول من هذا ثم أعرضت .
قال فقال القوم قوموا بنا فهى والله في شىء غير ما نحن فيه وكانت معاذة العدوية إذا جاء النهار تقول هذا يومى الذى أموت فيه فما تطعم حتى تمسى فإذا جاء الليل تقول هذه الليلة التى أموت فيها فتصلى حتى تصبح وقال أبو سليمان الدارانى بت ليلة عند رابعة فقامت إلى محراب لها وقمت أنا إلى ناحية من البيت فلم تزل قائمة إلى السحر فلما كان السحر قلت ما جزاء من قوانا على قيام هذه الليلة قالت جزاؤه أن تصوم له غدا وكانت شعوانة تقول في دعائها إلهى ما أشوقنى إلى لقائك وأعظم رجائى لجزائك وأنت الكريم الذى لا يخيب لديك أمل الآملين ولا يبطل عندك شوق المشتاقين إلهى إن كان دنا أجلى ولم يقربنى منك عمل فقد جعلت الاعتراف بالذنب وسائل عللى فإن عفوت فمن أولى منك بذلك وإن عذبت فمن أعدل منك هنالك إلهى قد جرت على نفسى في النظر لها وبقى لها حسن نظرك فالويل لها إن لم تسعدها إلهى إنك لم تزل بى برا أيام حياتى فلا تقطع عنى برك بعد مماتى