بالعقوبة لها على ذلك ولا يمكن شيء من ذلك إلى بعد تحقيق الحساب وتمييز الباقي من الحق الواجب عليه فإذا حصل ذلك اشتغل بعده بالمطالبة والاستيفاء .
ثم ينبغي أن يحاسب النفس على جميع العمر يوما يوما وساعة ساعة في جميع الأعضاء الظاهرة والباطنة كما نقل عن توبه ابن الصمة وكان بالرقة وكان محاسبا لنفسه فحسب يوما فإذا هو ابن ستين سنة فحسب أيامها فإذا هي أحد وعشرون ألف يوم وخمسمائة يوم فصرخ وقال يا ويلتي ألقى الملك بأحد وعشرين ألف ذنب فكيف وفي كل يوم عشرة آلاف ذنب ثم خر مغشيا عليه فإذا هو ميت فسمعوا قائلا يقول يا لك ركضة إلى الفردوس الأعلى فهكذا ينبغى أن يحاسب نفسه على الأنفاس وعلى معصيته بالقلب والجوارح في كل ساعة ولو رمى العبد بكل معصية حجرا في داره لامتلأت داره في مدة يسيرة قريبة من عمره ولكنه يتساهل في حفظ المعاصى والملكان يحفظان عليه ذلك أحصاه الله ونسوه المرابطة الرابعة في معاقبة النفس على تقصيرها .
مهما حاسب نفسه فلم تسلم عن مقارفه معصية وارتكاب تقصير في حق الله تعالى فلا ينبغى أن يهملها فإنه أن أهملها سهل عليه مقارفة المعاصي وأنست بها نفسه وعسر عليه فطامها وكان ذلك بسبب هلاكها بل ينبغي أن يعاقبها فإذا أكل لقمة شبهة بشهوة نفس ينبغى أن يعاقب البطن بالجوع وإذا نظر إلى غير محرم ينبغي أن يعاقب العين بمنع النظر وكذلك يعاقب كل طرف من أطراف بدنه بمنعه عن شهواته .
هكذا كانت عادة سالكي طريق الآخرة فقد روى عن منصور بن إبراهيم أن رجلا من العباد كلم امرأة فلم يزل حتى وضع يده على فخذها ثم ندم فوضع يده على النار حتى يبست وروى أنه كان في بني إسرائيل رجل يتعبد في صومعته فمكث كذلك زمانا طويلا فأشرف ذات يوم فإذا هو بامرأة فافتتن بها وهم بها فأخرج رجله لينزل إليها فأدركه الله بسابقه فقال ما هذا الذي أريد أن أصنع فرجعت إليه نفسه وعصمه الله تعالى فندم فلما أراد أن يعيد رجله إلى الصومعة قال هيهات هيهات رجل خرجت تريد أن تعصى الله تعود في صومعتي لا يكون والله له ذلك أبدا فتركها معلقة في الصومعة تصيبها الأمطار والرياح والثلج والشمس حتى تقطعت فسقطت فشكر الله له ذلك وأنزل في بعض كتبه ذكره ويحكى عن الجنيد قال سمعت ابن الكريبي يقول أصابتني ليلة جنابة فاحتجت أن أغتسل وكانت ليلة باردة فوجدت في نفسي تأخرا وتقصيرا فحدثتني نفسي بالتأخير حتى أصبح وأسخن الماء أو أدخل الحمام ولا أعنى على نفسي فقلت واعجبا أنا أعامل الله في طول عمري فيجب له على حق فلا أجد في المسارعة وأجد الوقوف والتأخر آليت أن لا أغتسل إلا في مرقعتي هذه وآليت أن لا أنزعها ولا أعصرها ولا أجففها في الشمس ويحكى أن غزوان وأبا موسى كانا في بعض مغازيهما فتكشفت جارية فنظر إليها غزوان فرفع يده فلطم عينه حتى بقرت وقال إنك للحاظة إلى ما يضرك .
ونظر بعضهم نظرة واحدة امرأة فجعل على نفسه أن لا يشرب الماء البارد طول حياته فكان يشرب الماء الحار لينغص على نفسه العيش .
ويحكى أن حسان بن أبي سنان مر بغرفة فقال متى بنيت هذه ثم أقبل على نفسه فقال تسألين عما لا يعنيك لأعاقبنك بصوم سنة فصامها .
وقال مالك بن ضيغم جاء رباح القيسي يسأل عن أبي بعد العصر فقلنا إنه نائم فقال أنوم هذه الساعة هذا وقت نوم ثم ولى منصرفا فأتبعناه رسولا وقلنا له ألا نوقظه لك فجاء الرسول وقال هو أشغل من أن يفهم عني شيئا أدركته وهو يدخل المقابر وهو يعاتب نفسه ويقول أقلت وقت نوم هذه الساعة أفكان هذا عليك ينام الرجل متى شاء وما يدريك أن هذا ليس وقت