الصانع مجال رحب إن فتحت له أبواب الملكوت وذلك عزيز جدا .
وقسم رابع ينظرون إليه بعين الرغبة والحرص فيتأسفون على ما فاتهم منه ويفرحون بما حضرهم من جملته ويذمون منه مالا يوافق هواهم ويعيبونه ويذمون فاعله فيذمون الطبيخ والطباخ ولا يعلمون أن الفاعل للطبيخ والطباخ ولقدرته ولعلمه هو الله تعالى وأن من ذم شيئا من خلق الله بغير إذن فقد ذم الله ولذلك قال النبي Aلا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر // حديث لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر أخرجه مسلم من حديث أبى هريرة // فهذه المرابطة الثانية بمراقبة الأعمال على الدوام والاتصال وشرح ذلك يطول وفيما ذكرناه تنبيه على المنهاج لمن أحكم الأصول المرابطة الثالثة محاسبة النفس بعد العمل ولنذكر فضيلة المحاسبة ثم حقيقتها .
أما الفضيلة فقد قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد وهذه إشارة إلى المحاسبة على ما مضى من الأعمال ولذلك قال عمر رضى الله تعالى عنه حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وفي الخبر انه عليه السلام جاءه رجل فقال يا رسول الله أوصنى فقال أمستوص أنت فقال نعم قال إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته فإن كان رشدا فامضه وإن كان غيا فانته عنه وفي الخبر وينبغى للعاقل أن يكون له أربع ساعات ساعة يحاسب فيها نفسه وقال تعالى وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون والتوبة نظر في الفعل بعد الفراغ منه بالندم عليه وقد قال Aإنى لاستغفر الله تعالى وأتوب إليه في اليوم مائة مرة // حديث اني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مره تقدم غير مرة // وقال تعالى إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون وعن عمر رضى الله عنه انه كان يضرب قدميه بالدره إذا جنه الليل ويقول لنفسه ماذا عملت اليوم وعن ميمون ابن مهران انه قال لا يكون العبد من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه والشريكان يتحاسبان بعد العمل وروى عن عائشة رضى الله تعالى عنها أن أبا بكر رضوان الله عليه قال لها عند الموت ما أحد من الناس أحب إلي من عمر ثم قال لها كيف قلت فأعادت عليه ما قال فقال لا أحد أعز على من عمر .
فانظر كيف نظر بعد الفراغ من الكلمة فتدبرها وأبدلها بكلمة غيرها وحديث أبى طلحة حين شغله الطائر في صلاته فتدبر ذلك فجعل حائطه صدقة لله تعالى ندما ورجاء للعوض مما فاته // حديث ابى طلحة : حين شغله الطائر عن صلاته فجعل حديقته صدقه تقدم غير مرة // .
وفي حديث ابن سلام أنه حمل حزمة من حطب فقيل له يا أبا يوسف قد كان في بنيك وغلمانك ما يكفونك هذا فقال أردت أن أجرب نفسي هل تنكره وقال الحسن المؤمن قوام على نفسه يحاسبها لله وإنما خف الحساب على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبه ثم فسر المحاسبة فقال إن المؤمن يفجؤه الشيء يعجبه فيقول والله إنك لتعجبني وإنك من حاجتي ولكن هيهات حيل بيني وبينك وهذا حساب قبل العمل ثم قال ويفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه فيقول ماذا أردت بهذا والله لا أعذر بهذا والله لا أعود لهذا أبدا إن شاء الله وقال أنس بن مالك سمعت عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه يوما وقد خرج وخرجت معه حتى دخل حائطا فسمعته يقول وبيني وبينه جدار وهو في الحائط عمر