له ومحاسبة نفسك قبل أن تحاسب وقد قيل .
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل ... خلوت ولكن قل على رقيب .
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ... ولا أن ما تخفيه عنه يغيب .
ألم تر أن اليوم أسرع ذاهب ... وأن غدا إذا للناظرين قريب .
وقال حميد الطويل لسليمان بن علي عظنى فقال لئن كنت إذا عصيت الله خاليا ظننت أنه يراك لقد اجترأت على أمر عظيم ولئن كنت تظن أنه لا يراك فلقد كفرت وقال سفيان الثورى عليك بالمراقبة ممن لا تخفى عليه خافية وعليك بالرجاء ممن يملك الوفاء وعليك بالحذر ممن يملك العقوبة .
وقال فرقد السنجى إن المنافق ينظر فإذا لم ير أحدا دخل مدخل السوء وإنما يراقب الناس ولا يراقب الله تعالى .
وقال عبد الله بن دينار خرجت مع عمر ابن الخطاب رضى الله عنه إلى مكة فعرسنا في بعض الطريق فانحدر عليه راع من الجبل فقال له يا راعى بعنى شاة من هذه الغنم فقال إنى مملوك فقال قل لسيدك أكلها الذئب قال فأين الله قال فبكى عمر رضى الله عنه ثم غدا إلى المملوك فاشتراه من مولاه وأعتقه وقال أعتقتك في الدنيا هذه الكلمة وأرجو أن تعتقك في الآخرة .
بيان حقيقة المراقبة ودرجاتها .
أعلم أن حقيقة المراقبة هي ملاحظة الرقيب والصراف الهم إليه فمن احترز من أمر من الأمور بسبب غيره يقال أنه يراقب فلانا ويراعى جانبه ويعنى بهذه المراقبة حالة للقلب يثمرها نوع من المعرفة وتثمر تلك الحالة أعمالا في الجوارح وفي القلب .
أما الحالة فهي مراعاة القلب للرقيب واشتغاله به والتفاته إليه وملاحظتهإياه وانصرافه إليه .
وأما المعرفة التي تثمر هذه الحالة فهو العلم بأن الله مطلع على الضمائر عالم بالسرائر رقيب على أعمال العباد قائم على كل نفس بما كسبت وأن سر القلب في حقه مكشوف كما أن ظاهر البشرة للخلق مكشوف بل اشد من ذلك .
فهذه المعرفة إذا صارت يقينا أعنى أنها خلت عن الشك ثم استولت بعد ذلك على القلب قهرته فرب علم لا شك فيه لا يغلب على القلب كالعلم بالموت فإذا استولت على القلب استجرت القلب إلى مراعاة جانب الرقيب وصرفت همه إليه والموقنون بهذه المعرفة هم المقربون وهم ينقسمون إلى الصديقين وإلى أصحاب اليمين فمراقبتهم على درجتين .
الدرجة الأولى مراقبة المقربين من الصديقين وهي مراقبة التعظيم والإجلال وهو أن يصير القلب مستغرقا بملاحظة ذلك الجلال ومنكسرا تحت الهيبة فلا يبقى فيه متسع للالتفات إلى الغير أصلا وهذه مراقبة لا نطول النظر في تفصيل أعمالها فإنها مقصورة على القلب .
أما الجوارح فإنها تتعطل عن التلفت إلى المباحات فضلا عن المحظورات وإذا تحركت بالطاعات كانت كالمستعملة بها فلا تحتاج إلى تدبير وتثبيت في حفظها على سنن السداد .
بل يسدد الرعية من ملك كلبة الراعى والقلب هو الراعى فإذا صار مستغرقا بالمعبود صارت الجوارح مستعملة جارية على السداد والاستقامة من غير تكلف وهذا هو الذي صار همه هما واحدا فكفاه الله سائر الهموم .
ومن نال هذه الدرجة فقد يغفل عن الخلق حتى لا يبصر من يحضر عنده وهو فاتح عينيه ولا يسمع ما يقال له مع أنه لا صمم به وقد يمر على ابنه مثلا فلا يكلمه حتى كان بعضهم يجري عليه ذلك فقال لمن عاتبه إذا مررت بي فحركنى .
ولا تستبعد هذا فإنك تجد نظير هذا في القلوب المعظمة لملوك الأرض حتى إن خدم الملك قد لا يحسون بما يجري عليهم في مجالس الملوك لشدة استغراقهم بهم بل قد يشتغل القلب بمهم حقير من مهمات الدنيا فيغوص