وتكون لذة ما يتجدد من لطائف النعيم شاغلة عن الإحساس بالشوق إلى ما لم يحصل وهذا بشرط أن يمكن حصول الكشف فيما لم يحصل فيه كشف في الدنيا أصلا فإن كان ذلك غير مبذول فيكون النعيم واقفا على حد لا يتضاعف ولكن يكون مستمرا على الدوام .
وقوله سبحانه وتعالى نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا محتمل لهذا المعنى وهو أن ينعم عليه بإتمام النور مهما تزود من الدنيا أصل النور ويحتمل أن يكون المراد به إتمام النور في غير ما استنار في الدنيا استنارة محتاجة إلى مزيد الاستكمال والإشراق فيكون هو المراد بتمامه وقوله تعالى انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا يدل على أن الأنوار لابد وأن يتزود أصلها في الدنيا ثم يزداد في الآخرة إشراقا فأما أن يتجدد نور فلا والحكم في هذا برجم الظنون مخطر ولم ينكشف لنا فيه بعد ما يوثق به فنسأل الله تعالى أن يزيدنا علما ورشدا ويرينا الحق حقا .
فهذا القدر من أنوار البصائر كاشف لحقائق الشوق ومعانيه .
وأما شواهد الأخبار والآثار فأكثر من أن تحصى فمما اشتهر من دعاء رسول الله A أنه كان يقول اللهم إنى أسألك الرضا بعد القضاء وبرد العيش بعد الموت ولذة النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك // حديث أنه كان يقول في دعائه اللهم إنى أسألك الرضا بعد القضاء وبرد العيش بعد الموت الحديث أخرجه أحمد والحاكم وتقدم في الدعوات // وقال أبو الدرداء لكعب أخبرني عن أخص آية يعنى في التوراة فقال يقول الله تعالى طال شوق الأبرار إلى لقائي وإني إلى لقائهم لأشد شوقا قال ومكتوت إلى جانبها من طلبنى وجدنى ومن طلب غيرى لم يجدنى فقال أبو الدرداء أشهد أنى لسمعت رسول الله A يقول هذا .
وفي أخبار داود عليه السلام إن الله تعالى قال يا داود أبلغ أهل أرضي أنى حبيب لمن أحبنى وجليس لمن جالسنى ومؤنس لمن أنس بذكرى وصاحب لمن صاحبنى ومختار لمن اختارنى ومطيع لمن أطاعنى ما أحبنى عبد أعلم ذلك يقينا من قلبه إلا قبلته لنفسى وأحببته حبا لا يتقدمه أحد من خلقى من طلبنى بالحق وجدنى ومن طلب غيرى لم يجدنى فارفضوا يا أهل الارض ما أنتم عليه من غرورها وهلموا إلى كرامتى ومصاحبتى ومجالستى وائنسوا بي أؤانسكم وأسارع إلى محبتكم فإنى خلقت طينة أحبائى من طينة إبراهيم خليلى وموسى نجي ومحمد صفي وخلقت قلوب المشتاقين من نورى ونعمتها بجلالى .
وروى عن بعض السلف أن الله تعالى أوحى إلى بعض الصديقين إن لى عبادا من عبادى يحبونى وأحبهم ويشتاقون إلى وأشتاق إليهم ويذكرونى وأذكرهم وينظرون إلى وأنظر إليهم فأن حذوت طريقهم أحببتك وإن عدلت عنهم مقتك قال يارب وما علامتهم قال يراعون الظلال بالنهار كما يراعى الراعى الشفيق غنمه ويحنون إلى غروب الشمس كما يحن الطائر إلى وكره عند الغروب فإذا جنهم الليل واختلط الظلام وفرشت الفرش ونصبت الأسرة وخلا كل حبيب بحبيبه نصبوا إلى أقدامهم وافترشوا إلى وجوههم وناجونى بكلامى وتملقوا إلى بإنعامى فبين صارخ وباك وبين متأوه وشاك وبين قائم وقاعد وبين راكع وساجد بعينى ما يتحملون من أجلى وبسمعى ما يشتكون من حبى أول ما أعطيهم ثلاث أقذف من نورى في قلوبهم فيخبرون عنى كما أخبر عنهم .
والثانية لو كانت السموات والأرض وما فيها في موازينهم لاستقللنها لهم .
والثالثة أقبل بوجهى عليهم فترى من أقبلت عليه يعلم أحد ما أريد أن أعطيه .
وفي أخبار داود عليه السلام إن الله تعالى أوحى إليه يا داود إلى كم تذكر الجنة ولا تسألنى الشوق إلى