فلا الحمد في ذا ولا ذاك لى ... ولكن لك الحمد في ذا وذاكا ولعلها أرادت بحب الهوى حب الله لإحسانه إليها وإنعامه عليها بحظوظ العاجلة وبحبه لما هو أهل له الحب لجماله وجلاله الذى انكشف لها وهو أعلى الحبين وأقواهما ولذة مطالعة جمال الربوبية هى التى عبر عنها رسول الله A حيث قال حاكيا عن ربه تعالى أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر // حديث قال A حاكيا عن ربه تعالى أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت الحديث أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة // وقد تعجل بعض هذه اللذات في الدنيا لمن انتهى صفاء قلبه إلى الغاية ولذلك قال بعضهم إنى أقول يا رب يا الله فأجد ذلك على قلبي أثقل من الجبال لأن النداء يكون من وراء حجاب وهل رأيت جليسا ينادى جليسه وقال إذا بلغ لارجل في هذا العلم الغاية رماه الخلق بالحجارة أي يخرج كلامه عن حد عقولهم فيرون ما يقوله جنونا أو كفرا .
فمقصد العارفين كلهم وصله ولقاؤه فقط فهى قرة العين التى لا تعلم نفس ما أخفى لهم منها وإذا حصلت انمحقت الهموم والشهوات كلها وصار القلب مستغرقا بنعيمها فلو ألقى في النار لم يحس بها لاستغراقه ولو عرض عليه نعيم الجنة لم يلتفت إليه لكمال نعيمه وبلوغه الغاية التى ليس فوقها غاية وليت شعر من لم يفهم إلا حب المحسوسات كيف يؤمن بلذة النظر إلى وجه الله تعالى وماله صورة ولا شكل وأى معنى لو عد الله تعالى به عباده وذكره أنه أعظم النعم بل من عرف الله عرف أن اللذات المفرقة بالشهوات المختلفة كلها تنطوى تحت هذه اللذة كما قال بعضهم .
كانت لقلبى أهواء مفرقة ... فاستجمعت مذ رأتك العين أهوائى .
فصار يحسدنى من كنت أحسده ... وصرت مولى الورى مذ صرت مولائى .
تركت للناس دنياهم ودينهم ... شغلا بذكرك يا دينى ودنيائى .
ولذلك قال بعضهم .
وهجره أعظم من ناره ... ووصله أطيب من جنته .
وما أرادوا بهذا إلا إيثار لذة القلب في معرفة الله تعالى على لذة الأكل والشرب والنكاح فإن الجنة معدن تمتع الحواس فأما القلب فلذته في لقاء الله فقط .
ومثال أطوار الخلق في لذتهم ما نذكره وهو أن الصبى في أول حركته وتمييزه يظهر فيه غريزة بها يستلذ اللعب واللهو حتى يكون ذلك عنده ألذ من سائر الأشياء ثم يظهر بعده لذة الزينة ولبس الثياب وركوب الدواب فيستحقر معها لذة اللعب ثم يظهر بعده لذة الوقاع وشهوة النساء فيترك بها جميع ما قبلها في الوصول إليها ثم تظهر لذة الرياسة والعلو والتكاثر وهى آخر لذات الدنيا وأعلاها وأقواها كما قال تعالى اعلمواأنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر الآية .
ثم بعد هذا تظهر غريزة أخرى يدرك بها لذة معرفة الله تعالى ومعرفة أفعاله فيستحقر معها جميع ما قبلها فكل متأخر فهو أقوى وهذا هو الأخير إذ يظهر حب اللعب في سن التمييز وحب النساء والزينة في سن البلوغ وحب الرياسة بعد العشرين وحب العلوم بقرب الأربعين وهى الغاية العليا وكما أن الصبى يضحك على من يترك اللعب ويشتغل بملاعبة النساء وطلب الرياسة فكذلك الرؤساء يضحكون على من يترك الرياسة ويشتغل بمعرفة الله تعالى والعارفون يقولون إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون