قدرة إلا بتمكين مولاه كما قال في أعظم ملوك الأرض ذى القرنين إذ قال إنا مكنا له في الأرض فلم يكن جميع ملكه وسلطنته إلا بتمكين الله تعالى إياه في جزء من الأرض والأرض كلها مدرة بالإضافة إلى أجسام العالم وجميع الولايات التى يحظى بها الناس من الأرض غبرة من تلك المدرة ثم تلك الغبرة أيضا من فضل الله تعالى وتمكينه فيستحيل أن يحب عبدا من عباد الله تعالى لقدرته وسياسته وتمكينه واستيلائه وكمال قوته ولا يحب الله تعالى لذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم فهو الجبار القاهر والعليم القادر السموات مطويات بيمينه والأرض وملكها وما عليها في قبضته وناصية جميع المخلوقات في قبضة قدرته إن أهلكهم من عند آخرهم لم ينقص من سلطانه وملكه ذرة وإن خلق أمثالهم ألف مرة لم يعى بخلقها ولا يمسه لغوب ولا فتور في اختراعها فلا قدرة ولا قادر إلا وهو أثر من آثار قدرته فله الجمال والبهاء والعظمة والكبرياء والقهر والاستيلاء فإن كان يتصور أن يحب قادر لكمال قدرته فلا يستحق الحب بكمال القدرة سواه أصلا .
وأما صفة التنزه عن العيوب والنقائص والتقدس عن الرذائل والخبائث فهو أحد موجبات الحب ومقتضيات الحسن والجمال في الصور الباطنة والأنبياء والصديقون وإن كانوا منزهين عن العيوب والخبائث فلا يتصور كمال التقدس والتنزه إلا للواحد الحق الملك والقدوس ذى الجلال والإكرام .
وأما كل مخلوق فلا يخلو عن نقص وعن نقائص بل كونه عاجزا مخلوقا مسخرا مضطرا هو عين العيب والنقص فالكمال لله وحده وليس لغيره كمال إلا بقدر ما أعطاه الله وليس في المقدور أن ينعم بمنتهى الكمال على غيره فإن منتهى الكمال أقل درجاته أن لا يكون عبدا مسخرا لغيره قائما بغيره وذلك محال في حق غيره فهو المنفرد بالكمال المنزه عن النقص المقدس عن العيوب وشرح وجوه التقدس والتنزه في حقه عن النقائص يطول وهو من أسرار علوم المكاشفات فلا نطول بذكره فهذا الوصف أيضا إن كان كمالا وجمالا محبوبا فلا تتم حقيقته إلا له وكمال غيره وتنزهه لا يكون مطلقا بل بالإضافة إلى ما هو أشد منه نقصانا كما أن للفرس كمالا بالإضافة إلى الحمار وللإنسان كمالا بالإضافة إلى الفرس وأصل النقص شامل للكل وإنما يتفاوتون في درجات النقصان .
فإذن الجميل محبوب والجميل المطلق هو الواحد الذى لا ند له الفرد الذى لا ضد له الصمد الذى لا منازع له الغنى الذى لا حاجة له القادر الذى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه العالم الذى لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات والأرض القاهر الذى لا يخرج عن قبضة قدرته أعناق الجبابرة ولا ينفلت من سطوته وبطشه رقاب القياصرة الأزلى الذى لا أول لوجوده الأبدى الذى لا آخر لبقائه الضرورى الوجود الذى لا يحوم إمكان العدم حول حضرته القيوم الذى يقوم بنفسه ويقوم كل موجود به جبار السموات والأرض خالق الجماد والحيوان والنبات المنفرد بالعزة والجبروت والمتوحد بالملك والملكوت ذو الفضل والجلال والبهاء والجمال والقدرة والكمال الذى تتحير في معرفة جلاله العقول وتخرس في وصفه الألسنة الذى كمال معرفة العارفين الاعتراف بالعجز عن معرفته ومنتهى نبوة الأنبياء الإقرار بالقصور عن وصفه كما قال سيد الأنبياء صلوات الله عليه وعليهم أجمعين لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك // حديث لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك تقدم // وقال سيد الصديقين رضى الله تعالى عنه العجز عن درك الإدراك إدراك سبحان من لم يجعل للخلق طريقا إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته فليت شعرى من ينكر إمكان حب الله تعالى تحقيقا ويجعله مجازا أينكر أن هذه الأوصاف من أوصاف الجمال