ذلك كله والمكروه عنده ضد ذلك فهذا هو أول الأسباب .
السبب الثاني : الإحسان فان الإنسان عبد الإحسان وقد جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها وقال رسول الله Aاللهم لا تجعل لفاجر على يدا فيحبه قلبي // حديث اللهم لا تجعل لكافر على يدا فيحبه قلبي رواه أبو منصور الديلمي مسند الفردوس : من حديث معاذ بن جبل بسند ضعيف منقطع وقد تقدم إشارة إلى ان حب القلب للمحسن اضطرارا لا يستطاع دفعه وهو جبلة وفطرة لا سبيل إلى تغييرها وبهذا السبب قد يحب الإنسان الأجنبي الذي لا قرابة بينه وبينه ولا علاقة وهذا إذا حقق رجع إلى السبب الأول فان المحسن من أمد بالمال والمعونة وسائر الأسباب الموصلة إلى دوام الوجود وكمال الوجود وحصول الحظوظ التي بها يتهيأ الوجود إلا أن الفرق أن أعضاء الإنسان محبوبة لان بها كمال وجوده وهى عين الكمال المطلوب فأما المحسن فليس هو عين الكمال المطلوب ولكن قد يكون سببا له كالطبيب يكون سببا فى دوام صحة الأعضاء ففرق بين حب الصحة وبين حب الطبيب الذى هو سبب الصحة إذ الصحة مطلوبة لذاتها والطبيب محبوب لا لذاته بل لأنه سبب الصحة وكذلك العلم محبوب والأستاذ محبوب ولكن العلم محبوب لذاته والأستاذ محبوب لكونه سبب العلم المحبوب وكذلك الطعام والشراب محبوب والدنانير محبوبة لكن الطعام محبوب لذاته والدنانير محبوبة لأنها وسيلة إلى الطعام فإذن يرجع الفرق إلى تفاوت الرتبة وإلا فكل واحد يرجع إلى محبة الإنسان نفسه فكل من احب المحسن لإحسانه فما احب ذاته تحقيقا بل احب إحسانه وهو فعل من أفعاله لو زال زال الحب مع بقاء ذاته تحقيقا ولو نقص نقص الحب ولو زاد زاد ويتطرق اليه الزيادة والنقصان بحسب زيادة الإحسان ونقصانه .
السبب الثالث : أن يحب الشيء لذاته لا لحظ ينال منه وراء ذاته بل تكون ذاته عين حظه وهذا هو الحب الحقيقي البالغ الذي يوثق بدوامه وذلك كحب الجمال والحسن فان كل جمال محبوب عند مدرك الجمال وذلك لعين الجمال لان إدراك الجمال فيه عين اللذة واللذة محبوبة لذاتها لا لغيرها ولا تظنن أن حب الصور الجميلة لا يتصور إلا لأجل قضاء الشهوة فان قضاء الشهوة لذة أخرى قد تحب الصور الجميلة لأجلها وإدراك نفس الجمال أيضا لذيذ فيجوز أن يكون محبوبا لذاته وكيف ينكر ذلك والخضرة والماء الجاري محبوب لا ليشرب الماء وتؤكل الخضرة أو ينال منها حظ سوى نفس الرؤية وقد كان رسول الله A يعجبه الخضرة والماء الجاري // حديث : كان يعجبه الخضرة والماء الجاري أخرجه أبو نعيم في الطب النبوي من حديث ابن عباس ان النبي A كان يحب أن ينظر إلى الخضرة وإلى الماء الجاري وإسناده ضعيف // والطباع السليمة قاضية باستلذاذ النظر إلى الأنوار والأزهار والأطيار المليحة الألوان الحسنة النقش المتناسبة الشكل حتى أن الإنسان لتنفرج عنه الغموم والهموم بالنظر إليها لا لطلب حظ وراء النظر فهذه الأسباب ملذة وكل لذيذ محبوب وكل حسن وجمال فلا يخلو إدراكه عن لذة ولا أحد ينكر كون الجمال محبوبا بالطبع فان ثبت أن الله جميل كان لا محالة محبوبا عند من انكشف له جماله وجلاله كما قال رسول الله Aان الله جميل يحب الجمال // حديث إن الله جميل يحب الجمال رواه مسلم في أثناء حديث لابن مسعود .
الأصل الرابع في بيان معنى الحسن والجمال اعلم أن المحبوس في مضيق الخيالات والمحسوسات ربما يظن أنه لا معنى للحسن والجمال إلا تناسب الخلقة والشكل وحسن اللون وكون البياض مشربا بالحمرة وامتداد القامة إلى غير ذلك مما يوصف من جمال شخص الإنسان فان الحسن الأغلب على الخلق حسن الإبصار وأكثر التفاتهم