عبادي حتى يأتي شفائي أو قضائي فإذن معنى التوكل مع التداوي التوكل بالعلم والحال كما سبق في فنون الاعمال الدافعة للضرر الجالبة للنفع فأما ترك التداوي رأسا فليس شرطا فيه .
فان قلت فالكي أيضا من الأسباب الظاهرة النفع فأقول ليس كذلك اذ الأسباب الظاهرة مثل الفصد والحجامة وشرب المسهل وسقي المبردات للمحرور واما الكي فلو كان مثلها في الظهور لما خلت البلاد الكثيرة عنه وقلما يعتاد الكي في أكثر البلاد وانما ذلك عادة بعض الأتراك والأعراب فهذا من الأسباب الموهومة كالرقى إلا أنه يتميز عنها بأمر وهو أنه احراق النار فى الحال مع الاستغناء عنه فإنه ما من وجع يعالج بالكي الا وله دواء يغنى عنه ليس فيه احراق فالاحراق بالنار جرح مخرب للبنية محذور السراية مع الاستغناء عنه بخلاف الفصد والحجامة فان سرايتهما بعيدة ولا يسد مسدها غيرهما ولذلك نهى رسول الله A عن الكي دون الرقي // حديث نهى رسول الله A عن الكي دون الرقى رواه البخاري من حديث ابن عباس وأنهى أمتي عن الكي وفي الصحيحين من حديث عائشة رخص رسول الله A في الرقية من كل ذي حمة // .
وكل واحد منهما بعيد عن التوكل وروى ان عمران بن الحصين اعتل فأشاروا عليه بالكي فامتنع فلم يزالوا به وعزم عليه الامر حتى اكتوى فكان يقول كنت أرى نورا واسمع صوتا وتسلم علي الملائكة فلما اكتويت انقطع ذلك عني وكان يقول اكتوينا كيات فوالله ما أفلحت ولا أنجحت ثم تاب من ذلك وأناب إلى الله تعالى فرد الله تعالى عليه ما كان يجد من أمر الملائكة وقال لمطرف بن عبد الله : ألم تر إلى الملائكة التي كان أكرمني الله بها قد ردها الله تعالى علي ! بعد أن كان أخبره بفقدها : فاذن الكي وما يجري مجراه هو الذي لا يليق بالمتوكل لأنه يحتاج في استنباطه إلى تدبير ثم هو مذموم ويدل ذلك على شدة ملاحظة الأسباب وعلى التعمق فيها والله أعلم .
بيان ان ترك التداوي قد يحمد في بعض الأحوال ويدل على قوة التوكلوان ذلك .
لا يناقض فعل رسول الله A .
اعلم ان الذين تداووا من السلف لا ينحصرون ولكن قد ترك التداوي أيضا جماعة من الأكابر فربما يظن أن ذلك نقصان لأنه لو كان كمالا لتركه رسول الله A اذ لا يكون حال غيره في التوكل أكمل من حاله .
وقد روى عن أبي بكر الصديق Bه انه قيل له لو دعونا لك طبيبا فقال الطبيب قد نظر الي وقال : اني فعال لما أريد .
وقيل لأبي الدرداء في مرضه ما تشتكي قال ذنوبي قيل فما تشتهي قال مغفرة ربي قالوا ألا ندعو لك طبيبا قال الطبيب أمرضني وقيل لأبي ذر وقد رمدت عيناه لو داويتهما قال اني عنهما مشغول فقيل لو سألت الله تعالى أن يعافيك فقال أسأله فيما هو أهم على منهما .
وكان الربيع بن خثيم أصابه فالج فقيل له لو تداويت فقال قد هممت ثم ذكرت عادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا وكان فيهم الأطباء فهلك المداوي والمداوى ولم تغن الرقي شيئا .
وكان أحمد بن حنبل يقول أحب لمن اعتقد التوكل وسلك هذا الطريق ترك التداوي من شرب الدواء وغيره وان كان به علل فلا يخبر المتطبب بها أيضا إذا سأله