ماله مانعا من المعصية فإنه ربما يستغنى به فيتوانى عن السرقة بعده وقد زال عصيانه بأكل الحرام لما أن جعله في حل والثانية أن لا يظلم مسلما آخر فيكون ماله فداء لمال مسلم آخر ومهما ينوى حراسة مال غيره بمال نفسه أو ينوى دفع المعصية عن السارق أو تخفيفها عليه فقد نصح للمسلمين وامتثل قوله Aانصر أخاك ظالما أو مظلوما // حديث انصر أخاك ظالما أو مظلوما متفق عليه من حديث أنس وقد تقدم // ونصر الظالم أن تمنعه من الظلم وعفوه عنه إعدام للظلم ومنع له وليتحقق أن هذه النية لا تضره بوجه من الوجوه إذ ليس فيها ما يسلط السارق ويغير القصاء الأزلى ولكن يتحقق بالزهد نيته فإن أخذ ماله كان له بكل درهم سبعمائة درهم لأنه نواه وقصده وإن لم يؤخذ حصل له الأجر أيضا كما روى عن رسول الله A فيمن ترك العزل فأقر النطفة قرارها أن له أجر غلام ولد له من ذلك الجماع وعاش فقتل في سبيل الله تعالى وإن لم يولد له // حديث من ترك العزل وأقر النطفة قرارها كان له أجر غلام // لأنه ليس أمر الولد إلا الوقاع فأما الخلق والحياة والرزق والبقاء فليس إليه فلو خلق لكان ثوابه على فعله وفعله لم ينعدم فكذلك أمر السرقة الرابع أنه إذا وجد المال مسروقا فينبغى أن لا يحزن بل يفرح إن أمكنه ويقول لولا أن الخيرة كانت فيه لما سلبه الله تعالى ثم إن لم يكن قد جعله في سبيل الله D فلا يبالغ في طلبه وفي إساءة الظن بالمسلمين وإن كان قد جعله في سبيل الله فيترك طلبه فإنه قد قدمه ذخيرة لنفسه إلى الآخرة فإن أعيد عليه فالأولى أن لا يقبله بعد أن كان قد جعله في سبيل الله D وإن قبله فهو في ملكه في ظاهر العلم لأن الملك لا يزول بمجرد تلك النية ولكنه غير محبوب عند المتوكلين .
وقد روى أن ابن عمر سرقت ناقته فطلبها حتى أعيا ثم قال في سبيل الله تعالى فدخل المسجد فصلى فيه ركعتين فجاءه رجل فقال يا أبا عبد الرحمن إن ناقتك في مكان كذا فلبس نعله وقام ثم قال استغفر الله وجلس فقيل له ألا تذهب فتأخذها فقال إنى كنت قلت في سبيل الله .
وقال بعض الشيوخ رأيت بعض إخواني في النوم بعد موته فقلت ما فعل الله بك قال غفر لي وأدخلنى الجنة وعرض على منازلي فيها فرأيتها قال وهو مع ذلك كئيب حزين فقلت قد غفر لك ودخلت الجنة وأنت حزين فتنفس الصعداء ثم قال نعم إنى لا أزال حزينا إلى يوم القيامة قلت ولم قال إنى لما رأيت منازلى في الجنة رفعت لي مقامات في عليين ما رأيت مثلها فيما رأيت ففرحت بها فلما هممت بدخولها نادى منادى من فوقها اصرفوه عنها فليست هذه له إنما هى لمن أمضى السبيل فقلت وما إمضاء السبيل فقيل لي كنت تقول للشىء إنه في سبيل الله ثم ترجع فيه فلو كنت أمضيت السبيل لأمضينا لك .
وحكى عن بعض العباد بمكة أنه كان نائما إلى جنب رجل معه هميانه فانتبه الرجل ففقد هميانه فاتهمه به فقال له كم كان في هميانك فذكر له فحمله من البيت ووزنه من عنده ثم بعد ذلك أعلمه أصحابه أنهم كانوا أخذوا الهميان مزحا معه فجاء هو وأصحابه معه وردوا الذهب فأبى وقال خذه حلالا طيبا فما كنت لأعود في مال أخرجته في سبيل الله D فلم يقبل فألحوا عليه فدعا ابنه وجعل يصره صررا ويبعث به إلى الفقراء حتى لم يبق منه شىء .
فهكذا كانت أخلاق السلف وكذلك من أخذ رغيفا ليعطيه فقيرا فغاب عنه كان يكره رده إلى البيت بعد إخراجه فيعطيه فقيرا آخر وكذلك يفعل في الدراهم والدنانير وسائر الصدقات الخامس وهو أقل الدرجات