أو نيل رتبة الشهادة وكان من مات منهم على فراشه يتحسر على فوت الشهادة حتى إن خالد بن الوليد رضى الله تعالى عنه لما احتضر للموت على فراشه كان يقول كم غررت بروحى وهجمت على الصفوف طمعا فى الشهادة وأنا الآن أموات موت العجائز فلما مات عد على جسده ثمانمائة ثقب من آثار الجراحات هكذا كان حال الصادقين فى الإيمان رضى الله تعالى عنهم أجمعين .
وأما المنافقون ففروا من الزحف خوفا من الموت فقيل لهم إن الموت الذين تفرون منه فإنه ملاقيكم فإيثارهم البقاء على الشهادة استبدال الذى هو أدنى بالذى هو خير فأولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين .
وأما المخلصون فإن الله تعالى اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة فلما رأوا أنهم تركوا تمتع عشرين سنة مثلا أو ثلاثين سنة بتمتع الأبد استبشروا ببيعهم الذى بايعوا به فهذا بيان المزهود فيه .
وإذا فهمت هذا علمت أن ما ذكره المتكلمون في حد الزهد لم يشيروا به إلا إلى بعض أقسامه فذكر كل واحد منهم ما رآه غالبا على نفسه أو على من كان يخاطبه فقال بشر C تعالى الزهد في الدنيا هو الزهد في الناس وهذا إشارة إلى الزهد في الجاه خاصة .
وقال قاسم الجوعى الزهد في الدنيا هو الزهد في الجوف فبقدر ما تملك من بطنك كذلك تملك من الزهد وهذا إشارة إلى الزهد في شهوة واحدة ولعمرى هي أغلب الشهوات على الأكثر وهي المهيجة لأكثر الشهوات وقال الفضيل الزهد في الدنيا هو القناعة وهذا إشارة إلى المال خاصة وقال الثورى الزهد هو قصر الأمل وهو جامع لجميع الشهوات فإن من يميل إلى الشهوات يحدث نفسه بالبقاء فيطول أمله ومن قصر أمله فكأنه رغب عن الشهوات كلها وقال أويس إذا خرج الزاهد يطلب ذهب الزهد عنه وما قصد بهذا حد الزهد ولكن جعل التوكل شرطا في الزهد .
وقال أويس أيضا الزهد هو ترك الطلب للمضمون وهو إشارة إلى الرزق وقال أهل الحديث حب الدنيا هو العمل بالرأى والمعقول والزهد إنما هو أتباع العلم ولزوم السنة وهذا إن أريد به الرأى الفاسد والمعقول الذى يطلب به الجاه في الدنيا فهو صحيح ولكنه إشارة إلى بعض أسباب الجاه خاصة أو إلى بعض ما هو من فضول الشهوات فإن من العلوم ما لا فائدة فيه في الآخرة وقد طولوها حتى ينقضى عمر الإنسان في الاشتغال بواحد منها فشرط الزاهد أن يكون الفضول أول مرغوب عنه عنده وقال الحسن الزاهد الذى إذا رأى أحدا قال هذا أفضل منى فذهب إلى أن الزهد هو التواضع وهذا إشارة إلى نفى الجاه والعجب وهو بعض أقسام الزهد وقال بعضهم الزهد هو طلب الحلال وأين هذا ممن يقول الزهد هو ترك الطلب كما قال أويس ولا شك في أنه أراد به ترك طلب الحلال وقد كان يوسف بن أسباط يقول من صبر على الأذى وترك الشهوات وأكل الخبز من الحلال فقد أخذ بأصل الزهد .
وفي الزهد أقاويل وراء ما نقلناه فلم نر في نقلها فائدة فإن من طلب كشف حقائق الأمور من أقاويل الناس رآها مختلفة فلا يستفيد إلا الحيرة وأما من انكشف له الحق في نفسه وأدركه بمشاهدة من قلبه لا بتلقف من سمعه فقد وثق بالحق واطلع على قصور من قصر لقصور بصيرته وعلى اقتصار من اقتصر من اقتصر مع كمال المعرفة لاقتصار حاجته وهؤلاء كلهم اقتصروا لا لقصور في البصيرة لكنهم ذكروا ما ذكروه عند الحاجة فلا جرم ذكروه بقدر الحاجة والحاجات تختلف فلا جرم الكلمات تختلف وقد يكون سبب الاقتصار الإخبار عن الحالة الراهنة التى هي مقام العبد في نفسه والأحوال تختلف فلا جرم الأقوال المخبرة عنها تختلف وأما الحق في نفسه