ناقة فيسبق عليه الكتاب فيختم له بعمل أهل النار وقدر فواق الناقة لا يحتمل عملا بالجوارح إنما هو بمقدار خاطر يختلج في القلب عند الموت فيقتضي خاتمة السوء فكيف يؤمن ذلك فإذن أقصى غايات المؤمن أن يعتدل خوفه ورجاءه وغلبة الرجاء في غالب الناس تكون مستندة للاغترار وقلة المعرفة ولذلك جمع الله تعالى بينهما في وصف من أثنى عليهم فقال تعالى يدعون ربهم خوفا وطمعا وقال D ويدعوننا رغبا ورهبا وأين مثل عمر Bه فالخلق الموجودة في هذا الزمان كلهم الأصلح لهم غلبة الخوف بشرط أن لا يخرجهم إلى اليأس وترك العمل وقطع الطمع من المغفرة فيكون ذلك سببا للتكاسل عن العمل وداعيا إلى الانهماك في المعاصي فإن ذلك قنوط وليس بخوف إنما الخوف هو الذي يحث على العمل ويكدر جميع الشهوات ويزعج القلب عن الركون إلى الدنيا ويدعوه إلى التجافي عن دار الغرور فهو الخوف المحمود دون حديث النفس الذي لا يؤثر في الكف والحث ودون اليأس الموجب للقنوط .
وقد قال يحيى بن معاذ من عبد الله تعالى بمحض الخوف غرق في بحار الأفكار ومن عبده بمحض الرجاء تاه في مفازة الاغترار ومن عبده بالخوف والرجاء استقام في محجة الادكار .
وقال مكحول الدمشقي من عبد الله بالخوف فهو حروري ومن عبده بالرجاء فهو مرجىء ومن عبده بالمحبة فهو زنديق ومن عبده بالخوف والرجاء والمحبة فهو موحد .
فإذن لا بد من الجمع بين هذه الأمور وغلبة الخوف هو الأصلح ولكن قبل الإشراف على الموت أما عند الموت فالأصلح غلبة الرجاء وحسن الظن لأن الخوف جار مجرى السوط الباعث على العمل وقد انقضى وقت العمل فالمشرف على الموت لا يقدر على العمل ثم لا يطيق أسباب الخوف فإن ذلك يقطع نياط قلبه ويعين على تعجيل موته وأما روح الرجاء فإنه يقوى قلبه ويحبب إليه ربه الذي إليه رجاؤه ولا ينبغي أن يفارق أحد الدنيا إلا محبا لله تعالى ليكون محبا للقاء الله تعالى فإن من أحب لقاء الله تعالى أحب الله لقاءه والرجاء تقارنه المحبة فمن ارتجى كرمه فهو محبوب والمقصود من العلوم والأعمال كلها معرفة الله تعالى حتى تثمر المعرفة المحبة فإن المصير إليه والقدوم بالموت عليه ومن قدم على محبوبه عظم سروره بقدر محبته ومن فارق محبوبه اشتدت محنته وعذابه فمهما كان القلب الغالب عليه عند الموت حب الأهل والولد والمال والمسكن والعقار والرفقاء والأصحاب فهذا رجل محابه كلها في الدنيا فالدنيا جنته إذ الجنة عبارة عن البقعة الجامعة لجميع المحاب فموته خروج من الجنة وحيلولة بينه وبين ما يشتهيه ولا يخفى حال من يحال بينه وبين ما يشتهيه فإذا لم يكن له محبوب سوى الله تعالى وسوى ذكره ومعرفته والفكر فيه والدنيا وعلائقها شاغلة له عن المحبوب فالدنيا إذن سجنه لأن السجن عبارة عن البقعة المانعة للمحبوس عن الاسترواح إلى محابه فموته قوم على محبوبه وخلاص من السجن ولا يخفى حال من أفلت من السجن وخلى بينه وبين محبوبه بلا مانع ولا مكدر فهذا أول ما يلقاه كل من فارق الدنيا عقيب موته من الثواب والعقاب فضلا عما أعده الله لعباده الصالحين مما لم تره عين ولا تسمعه أذن ولا خطر على قلب بشر وفضلا عما أعده الله تعالى للذين استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة ورضوا بها واطمأنوا إليها من