ولكن إذا لم يعلم ما فيه صلاح آخرته حتى يظن الفساد صلاحا فمن أين ينفعه مجرد الإرادة فلا فائدة فى الإرادة والقدرة والأسباب إلا بعد الهداية ولذلك قال تعالى ربنا الذى أعطى كل شىء خلقه ثم هدى وقال تعالى ولو لا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم أحد أبدا ولكن الله يزكى من يشاء وقال A ما من أحد يدخل الجنة إلا برحمة الله تعالى أى بهدايته فقيل ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا // حديث ما من أحد يدخل الجنة الا برحمة الله متفق عليه من حديث أبى هريرة لن يدخل أحدكم عمله الجنة قالوا ولا انت يا رسول الله قال ولا أنا الا أن يتغمدنى الله بفضل منه ورحمة وفى رواية لمسلم ما من أحد يدخله عمله الجنة الحديث واتفقا عليه من حديث عائشة وانفرد به مسلم من حديث جابر وقد تقدم // وللهداية ثلاث منازل الأولى معرفة طريق الخير والشر المشار إليه بقوله تعالى وهديناه النجدين وقد أنعم الله تعالى به على كافة عباده بعضه بالعقل وبعضه على لسان الرسل ولذلك قال تعالى وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأسباب الهدى هى الكتاب والرسل وبصائر العقول وهى مبذولة ولا يمنع منها إلا الحسد والكبر وحب الدنيا والأسباب التى تعمى القلوب وإن كانت لا تعمى الأبصار قال تعالى فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور ومن جملة المعميات الإلف والعادة وحب استصحابهما وعنه العبارة بقوله تعالى إنا وجدنا آباءنا على أمة الآية وعن الكبر والحسد العبارة بقوله تعالى وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم وقوله تعالى أبشرا منا واحدا نتبعه فهذه المعميات هى التى منعت الاهتداء والهداية الثانية وراء هذه الهداية العامة وهى التى يمد الله تعالى بها العبد حالا بعد حال وهى ثمرة المجاهدة حيث قال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وهو المراد بقوله تعالى والذين اهتدوا زادهم هدى والهداية الثالثة وراء الثانية وهو النور الذى يشرق فى عالم النبوة والولاية بعد كمال المجاهدة فيهتدى بها إلا ما لا يهتدى إليه بالعقل الذى يحصل به التكليف وإمكان تعلم العلوم وهو الهوى المطلق وما عداه حجاب له ومقدمات وهو الذى شرفه الله تعالى بتخصيص الإضافة إليه وإن كان الكل من جهته تعالى فقال تعالى قل إن هدى الله هو الهدى وهو المسمى حياة فى قوله تعالى أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به فى الناس والمعنى بقوله تعالى أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه وأما الرشد فنعنى به العناية الإلهية التى تعين الإنسان عند توجهه إلى مقاصده فتقوبه على ما فيه صلاحه وتفتره عما فيه فساده ويكون ذلك من الباطن كما قال تعالى ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين فالرشد عبارة عن هداية باعثة إلى جهة السعادة محركة إليها فالصبى إذا بلغ خبيرا بحفظ المال وطرق التجارة والاستنماء ولكنه مع ذلك يبذر ولا يريد الاستنماء لا يسمى رشيدا لا لعدم هدايته بل لقصور هدايته عن تحريك داعيته فكم من شخص يقدم على ما يعلم أنه يضره فقد أعطى الهداية وميز بها عن الجاهل الذى لا يدرى أنه يضره ولكن ما أعطى الرشد فالرشد بهذا الاعتبار أكمل من مجرد الهداية إلى وجوه الأعمال وهى نعمة عظيمة وأما التسديد فهو توجيه حركاته إلى صوب المطلوب وتيسرها عليه ليشتد فى صوب الصواب فى أسرع وقت فإن الهداية بمجردها لا تكفى بل لا بد من هداية محركة للداعية وهى الرشد والرشد لا يكفى بل لا بد من تيسر الحركات بمساعدة الأعضاء والآلات حتى يتم المراد مما انبعثت الداعية إليه فالهداية محض التعريف والرشد هو تنبيه الداعية لتستقيظ وتتحرك والتسديد إعانة ونصرة بتحريك الأعضاء فى صوب السداد وأما التأييد فكأنه جامع للكل وهو عبارة عن تقوية أمره بالبصيرة من داخل وتقوية البطش ومساعدة الأسباب من خارج وهو المراد بقوله D إذ ايدتك بروح القدس وتقرب منه العصمة وهى