هيهات والطهارة لها أربع مراتب .
المرتبة الأولى تطهير الظاهر عن الأحداث وعن الأخباث والفضلات .
المرتبة الثانية تطهير الجوارح عن الجرائم والآثام .
المرتبة الثالثة تطهير القلب عن الأخلاق المذمومة والرذائل الممقوتة .
المرتبة الرابعة تطهير السر عما سوى الله تعالى وهي طهارة الأنبياء صلوات الله عليهم والصديقين والطهارة في كل رتبة نصف العمل الذي فيها فإن الغاية القصوى في عمل السر أن ينكشف له جلال الله تعالى وعظمته ولن تحل معرفة الله تعالى بالحقيقة في السر ما لم يرتحل ما سوى الله تعالى عنه .
ولذلك قال الله D قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون لأنهما لا يجتمعان في قلب وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وأما عمل القلب فالغاية القصوى عمارته بالأخلاق المحمودة والعقائد المشروعة ولن يتصف بها ما لم ينظف عن نقائضها من العقائد الفاسدة والرذائل الممقوتة فتطهيره أحد الشطرين وهو الشطر الأول الذي هو شرط في الثاني فكان الطهور شطر الإيمان بهذا المعنى وكذلك تطهير الجوارح عن المناهي أحد الشطرين وهو الشطر الأول الذي هو شرط في الثاني فتطهيره أحد الشطرين وهو الشطر الأول وعمارتها بالطاعات الشطر الثاني فهذه مقامات الإيمان ولكل مقام طبقة ولن ينال العبد الطبقة العالية إلا أن يجاوز الطبقة السافلة فلا يصل إلى طهارة السر عن الصفات المذمومة وعمارته بالمحمودة ما لم يفرغ من طهارة القلب عن الخلق المذموم وعمارته بالخلق المحمود ولن يصل إلى ذلك من لم يفرغ عن طهارة الجوارح عن المناهي وعمارتها بالطاعات وكلما عز المطلوب وشرف صعب مسلكه وطال طريقه وكثرت عقباته فلا تظن أن هذا الأمر يدرك وينال بالهوينى نعم من عميت بصيرته عن تفاوت هذه الطبقات لم يفهم من مراتب الطهارة إلا الدرجة الأخيرة التي هي كالقشرة الأخيرة الظاهرة بالإضافة إلى اللب المطلوب فصار يمعن فيها ويستقصي في مجاريها ويستوعب جميع أوقاته في الاستنجاء وغسل الثياب وتنظيف الظاهر وطلب المياه الجارية الكثيرة ظنا منه بحكم الوسوسة وتخيل العقل أن الطهارة المطلوبة الشريفة هي هذه فقط وجهالة بسيرة الأولين واستغراقهم جميع الهم والفكر في تطهير القلب وتساهلهم في أمر الظاهر حتى إن عمر Bه مع علو منصبه توضأ من ماء في جرة نصرانية وحتى إنهم ما كانوا يغسلون اليد من الدسومات والأطعمة بل كانوا يمسحون أصابعهم بأخمص أقدامهم وعدوا الأشنان من البدع المحدثة ولقد كانوا يصلون على الأرض في المساجد ويمشون حفاة في الطرقات ومن كان لا يجعل بينه وبين الأرض حاجزا في مضجعه كان من أكابرهم وكانوا يقتصرون على الحجارة في الاستنجاء .
وقال أبو هريرة وغيره من أهل الصفة كنا نأكل الشواء فتقام الصلاة فندخل أصابعنا في الحصى ثم نفركها بالتراب ونكبر // حديث كنا نأكل الشواء فتقام الصلاة فندخل أصابعنا في الحصباء الحديث أخرجه من حديث عبد الله بن الحارث ابن جزء ولم أره من حديث أبي هريرة // وقال عمر Bه ما كنا نعرف الأشنان في عصر رسول الله A وإنما كانت مناديلنا بطون أرجلنا // حديث عمر ما كنا نعرف الأشنان على عهد رسول الله A وإنما كانت مناديلنا باطن أرجلنا الحديث لم أجده من حديث عمر ولابن ماجه نحوه مختصرا من حديث جابر // كنا إذا أكلنا الغمر مسحنا بها ويقال أول ما ظهر من البدع بعد رسول الله A أربع المناخل والأشنان والموائد والشبع .
فكانت عنايتهم كلها بنظافة الباطن حتى قال بعضهم الصلاة في النعلين أفضل لأن رسول الله A لما نزع نعليه في صلاته بإخبار جبريل عليه السلام له أن بهما نجاسة وخلع الناس نعالهم قال A لم خلعتم نعالكم // حديث خلع نعليه في الصلاة إذ أخبره جبريل E أن عليه نجاسة أخرجه د ك وصححه من حديث أبي سعيد الخدري // وقال النخعي في الذين يخلعون نعالهم وددت لو أن محتاجا جاء إليها فأخذها منكرا لخلع النعال .
فهكذا كان تساهلهم في هذه الأمور بل كانوا يمشون في طين الشوارع حفاة ويجلسون عليها ويصلون