واعلم أن السلطان به قوام الدين فلا ينبغى أن يستحقر وإن كان ظالما فاسقا قال عمرو بن العاص C إمام غشوم خير من فتنة تدوم وقال النبي A سيكون عليكم أمراء تعرفون منهم وتنكرون ويفسدون وما يصلح الله بهم اكثر فإن أحسنوا فلهم الأجر وعليكم الشكر وإن أساءوا فعليهم الوزر وعليكم الصبر // حديث سيكون عليكم أمراء يفسدون وما يصلح الله بهم أكثر الحديث أخرجه مسلم من حديث أم سلمة يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون ورواه الترمذى بلفظ سيكون عليكم أئمة وقال حسن صحيح وللبزار بسند ضعيف من حديث ابن عمر السلطان ظل الله فى الأرض يأوى اليه كل مظلوم من عبادة فإن عدل كان له الأجر وكان على الرعية الشكر وإن جار أو حاف أو ظلم كان عليه الوزر وعلى الرعية الصبر وأما قوله وما يصلح الله بهم أكثر فلم أجده بهذا اللفظ إلا أنه يؤخذ من حديث ابن مسعود حين فزع إليه الناس لما أنكروا سيرة الوليد بن عقبة فقال عبد الله اصبروا فإن جور إمامكم خمسين سنة خير من هرج شهر فإنى سمعت رسول الله A يقول فذكر حديثا فيه والإمارة الفاجرة خير من الهرج رواه الطبرانى فى الكبير بإسناد لا بأس به وقال سهل من أنكر إمامه السلطان فهو زنديق ومن دعاه السلطان فلم يجب فهو مبتدع ومن أتاه من غير دعوة فهو جاهل وسئل أى الناس خير فقال السلطان فقيل كنا نرى أن شر الناس السلطان فقال مهلا إن لله تعالى له كل يوم نظرتين نظرة إلى سلامة أموال المسلمين ونظرة إلى سلامة أبدانهم فيطلع فى صحيفته فيغفر له جميع ذنبه وكان يقول الخشبات السود المعلقة على أبوابهم خير من سبعين قاصا يقصون الركن الثانى من أركان الشكر ما عليه الشكر .
وهو النعمة فلنذكر فيه حقيقة النعمة وأقسامها ودرجاتها وأصنافها ومجامعها فيما يخص ويعم فإن إحصاء نعم الله على عباده خارج عن مقدور البشر كما قال تعالى وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها فنقدم أمورا كلية تجرى مجرى القوانين فى معرفة النعم ثم نشتغل بذكر الآحاد والله الموفق للصواب .
بيان حقيقة النعمة وأقسامها .
اعلم أن كل خير ولذة وسعادة بل كل مطلوب ومؤثر فإنه يسمى نعمة ولكن النعمة بالحقيقة هى السعادة الآخروية وتسميه ما سواها نعمة وسعادة إما غلط وأما مجاز كتسمية السعادة الدنيوية التى لا تعين على الآخرة نعمة فإن ذلك غلط محض وقد يكون اسم النعمة للشى صدقا ولكن يكون إطلاقه على السعادة الأخروية أصدق فكل سبب يوصل إلى سعادة الآخرة ويعين عليها إما بوسطة واحدة أو بوسائط فإن تسمية نعمة صحيحة وصدق لأجل أنه يفضى إلى النعمة الحقيقية .
والأسباب المعينة واللذات المسماه نعمة نشرحها بتقسيمات القسمة الأولى أن الأمور كلها بالإضافة إلينا تنقسم إلى ما هو نافع فى الدنيا والآخرة جميعا كالعلم وحسن الخلق وإلى ما هو ضار فيهما جميعا كالجهل وسوء الخلق وإلى ما ينفع فى الحال المضر فى المآل كالتلذذ باتباع الشهوة وإلى ما يضر فى الحال ويؤلم ولكن ينفع فى المآل كقمع الشهوات ومخالفة النفس فالنافع فى الحال والمآل هو النعمة تحقيقا كالعلم وحسن الخلق والضار فيهما هو البلاء تحقيقا وهو ضدهما والنافع فى الحال فى المآل بلاء محض عند ذوى البصائر وتظنه الجهال نعمة ومثاله الجائع إذا وجد عسلا فيه سم فإنه يعده نعمة إن كان جاهلا وإذا علمه علم أن ذلك بلاء سيق إليه والضار فى الحال النافع فى المآل نعمة عند ذوى الألباب بلاء عند الجهال ومثاله الدواء البشع فى الحال مذاقه إلا أنه شاف من الأمراض والأسقام وجالب للصحة والسلامة فالصبى الجاهل إذا كلف شربه ظنه بلاء والعاقل يعده نعمة ويتقلد المنة ممن يهديه إليه ويقربه منه ويهيىء له أسبابه فلذلك تمنع الأم ولدها من الحجامة والأب يدعوه إليها فإن الأب لكمال عقله يلمح العاقبة والأم لفرط حبها وقصورها تلحظ الحال والصبى لجهله يتقلد منة من أمه دون أبيه