إلى المحبوب وهكذا يكون الإيمان الحاصل عن نور البصيرة وأما من لم يترشح لمثل هذا المقام المرتفع ذروته عن حدود أكثر الخلق ففى التقليد والاتباع له مجال رحب يتوصل به إلى النجاة من الهلاك فليلاحظ فيه قول الله وقول رسوله وقول السلف الصالحين فقد قال الله تعالى وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون وهذا أمر على العموم وقال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا الآية ومعنى النصوح الخالص لله تعالى خاليا عن الشوائب مأخوذ من النصح ويدل على فضل التوبة قوله تعالى إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين وقال A التائب حبيب الله والتائب من الذنب كمن لا ذنب له // حديث التائب حبيب الله والتائب من الذنب كمن لا ذنب له أخرجه ابن ماجه من حديث ابن مسعود بالشطر الثاني دون الأول وأما الشطر الأول فروى ابن أبي الدنيا في التوبة وأبو الشيخ في كتاب الثواب من حديث أنس بسند ضعيف إن الله يحب الشاب التائب ولعبد الله بن أحمد في زوائد المسند وأبى يعلىبسند ضعيف من حديث على أن الله يحب العبد المؤمن المفتن التواب // وقال رسول الله A الله أفرح بتوبة العبد المؤمن من رجل نزل في أرض دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام نومه فاستيقظ وقد ذهبت راحلته فطلبها حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله قال أرجع إلى مكانى الذى كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها زاده وشرابه فالله تعالى أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته // حديث لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في أرض فلاة دوية مهلكة الحديث متفق عليه من حديث ابن مسعود وأنس زاد مسلم في حديث أنس ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدى وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح ورواه مسلم بهذه الزيادة من حديث النعمان بن بشير ومن حديث أبى هريرة مختصرا // وفى بعض الألفاظ قال من شدة فرحه إذ أراد شكر الله أنا ربك وأنت عبدى ويروى عن الحسن قال لما تاب الله D على آدم عليه السلام هنأته الملائكة وهبط عليه جبريل وميكائيل عليهما السلام فقالا يا آدم قرت عينك بتوبة الله عليك فقال آدم عليه السلام يا جبريل فإن كان بعد هذه التوبة سؤال فأين مقامى فأوحى الله إليه يا آدم ورثت ذويك التعب والنصب وورثتهم التوبة فمن دعانى منهم لبيته كما لبيتك ومن سألنى المغفرة لم أبخل عليه لأنى قريب مجيب يا آدم وأحشر التائبين من القبور مستبشرينضاحكين ودعاؤهم مستجاب والأخبار والآثار في ذلك لا تحصى والإجماع منعقد من الأمة على وجوبها إذ معناه العلم بأن الذنوب والمعاصى مهلكات ومبعدات من الله تعالى وهذا داخل في وجوب الإيمان ولكن قد تدهش الغفلة عنه فمعنى هذا العلم إزالة هذه الغفلة ولا خلاف في وجوبها ومن معانيها ترك المعاصى في الحال والعزم على تركها في الاستقبال وتدارك ما سبق من التقصير في سابق الاحوال وذلك لا يشك في وجوبه وأما التندم على ما سبق والتحزن عليه فواجب وهو روح التوبة وبه تمام التلافى فكيف لا يكون واجبا بل هو نوع ألم يحصل لا محالة عقيب حقيقة المعرفة بما فات من العمر وضاع في سخط الله .
فإن قلت تألم القلب أمر ضرورى لا يدخل تحت الاختيار فكيف يوصف بالوجوب فاعلم أن سببه تحقيق العلم بفوات المحبوب وله سبيل إلى تحصيل سببه وبمثل هذا المعنى دخل العلم تحت الوجوب لا بمعنى أن العلم يخلقه العبد ويحدثه في نفسه فإن ذلك محال بل العلم والندم والفعل والإرادة والقدرة والقادر الكل من خلق الله وفعله والله خلقكم وما تعملون هذا هو الحق عند ذوى الأبصار وما سوى هذا ضلال .
فإن قلت أفليس للعبد اختيار في الفعل والترك قلنا نعم وذلك لا يناقض قولنا إن الكل من خلق الله تعالى بل الاختيار أيضا من خلق الله والعبد مضطر في الاختيار الذي له فإن الله إذا خلق اليد الصحيحة