بقلبك ولا نسخة صحيحة استوثقت عليها لتقابل بها فمن أين تعلم أنك سمعت ذلك وقد قال الله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم وقول الشيوخ كلهم في هذا الزمان إنا سمعنا ما في هذا الكتاب إذا لم يوجد الشرط الذي ذكرناه فهو كذب صريح .
وأقل شروط السماع أن يجري الجميع على السمع مع نوع من الحفظ يشعر معه بالتغيير ولو جاز أن يكتب سماع الصبي والغافل والنائم والذي ينسخ لجاز أن يكتب سماع المجنون والصبي في المهد ثم إذا بلغ الصبي وأفاق المجنون يسمع عليه ولا خلاف في عدم جوازه ولو جاز ذلك لجاز أن يكتب سماع الجنين في البطن فإنكان لا يكتب سماع الصبى في المهد لأنه لا يفهم ولا يحفظ فالصبى الذى لا يلعب والغافل والمشغول بالنسخ عن السماع ليس بينهم ولا يحفظ وإن استجرأ جاهل فقال يكتب سماع الصبي في المهد فليكتب سماع الجنين في البطن فإن فرق بينهما بأن الجنين لا يسمع الصوت وهذا يسمع الصوت فما ينفع هذا وهو إنما ينقل الحديث دون الصوت فليقتصر إذا صار شيخا على أن يقول سمعت بعد بلوغي أني في صباي حضرت مجلسا يروى فيه حديث كان يقرع سمعي صوته ولا أدري ما هو فلا خلاف في أن الرواية كذلك لا تصح وما زاد عليه فهو كذب صريح ولو جاز إثبات سماع التركي الذي لا يفهم العربية لأنه سمع صوتا غفلا لجاز إثبات سماع صبي في المهد وذلك غاية الجهل .
ومن أين يأخذ هذا وهل للسماع مستند إلا قول رسول الله A نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها // حديث نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها الحديث أخرجه أصحاب السنن وابن حبان من حديث زيد بن ثابت والترمذي وابن ماجه من حديث ابن مسعود وقال الترمذي حديث حسن صحيح وابن ماجه فقط من حديث جبير بن مطعم وأنس .
وكيف يؤدي كما سمع من لا يدري ما سمع فهذا أفحش أنواع الغرور .
وقد بلي بهذا أهل الزمان ولو اختلط أهل الزمان لم يجدوا شيوخا إلا الذين سمعوه في الصبا على هذا الوجه مع الغفلة إلا أن للمحدثين في ذلك جاها وقبولا فخاف المساكين أن يشترطوا ذلك فيقل من يجتمع لذلك في حلقهم فينقص جاههم وتقل أيضا أحاديثهم التي قد سمعوها بهذا الشرط بل ربما عدموا ذلك وافتضحوا فاصطلحوا على أنه ليس يشترط إلا أن يقرع سمعه دمدمة وإن كان لا يدري ما يجري وصحة السماع لا تعرف من قول المحدثين لأنه ليس من علمهم بل من علم علماء الأصول بالفقه وما ذكرناه مقطوع به في قوانين أصول الفقه فهذا غرور هؤلاء ولو سمعوا على الشرط لكانوا أيضا مغرورين في اقتصارهم على النقل وإفناء أعمارهم في جمع الروايات والأسانيد وإعراضهم عن مهمات الدين ومعرفة معاني الأخبار بل الذي يقصد من الحديث سلوك طريق الآخرة وسالك طريقها ربما يكفيه الحديث الواحد عمره كما روي عن بعض الشيوخ أنه حضر مجلس السماع فكان أول حديث روى قوله A من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه // حديث من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه أخرجه الترمذي وقال غريب وابن ماجه من حديث أبي هريرة وهو عند مالك من رواية علي بن الحسين مرسلا وقد تقدم .
فقام وقال يكفيني هذا حتى أفرغ منه ثم أسمع غيره .
فهكذا يكون سماع الأكياس الذين يحذرون الغرور .
وفرقة أخرى اشتغلوا بعلم النحو واللغة والشعر وغريب اللغة واغتروا به وزعموا أنهم قد غفر لهم وأنهم من عماد الأمة إذ قوام الدين بالكتاب والسنة وقوام الكتاب والسنة بعلم اللغة والنحو فأفنى هؤلاء أعمارهم في دقائق النحو وفي صناعة الشعر وفي غريب اللغة ومثالهم كمن يفني جميع العمر في تعلم الخط وتصحيح الحروف وتحسينها ويزعم أن العلوم لا يمكن حفظها إلا بالكتابة فلا بد من تعلمها وتصحيحها ولو عقل لعلم أنه يكفيه أن يتعلم أصل الخط بحيث يمكن أن يقرأ كيفما كان والباقي زيادة على الكفاية وكذلك الأديب لو عقل لعرف أن لغة العرب كلغة الترك والمضيع عمره في معرفة لغة العرب كالمضيع له في معرفة لغة الترك والهند وإنما فارقتها لغة