بالثناء والمدح بالزهد والورع والعلم والتقديم له في المهمات وإيثاره في الأغراض والاجتماع حوله للاستفادة والتلذذ بحسن الإصغاء عند حسن اللفظ والإيراد والتمتع بتحريك الرءوس إلى كلامه والبكاء عليه والتعجب منه والفرح بكثرة الأصحاب والأتباع والمستفيدين والسرور بالتخصص بهذه الخاصية من بين سائر الأقران والأشكال للجمع بين العلم والورع وظاهر الزهد والتمكن به من إطلاق لسان الطعن في الكافة المقبلين على الدنيا لا عن تفجع بمصيبة الدين ولكن عن إدلال بالتمييز واعتداد بالتخصيص .
ولعل هذا المسكين المغرور حياته في الباطن بما انتظم له من أمر وإمارة وعز وانقياد وتوقير وحسن ثناء فلو تغيرت عليه القلوب واعتقدوا فيه خلاف الزهد بما يظهر من أعماله فعساه يتشوس عليه قلبه وتختلط أوراده ووظائفه .
وعساه يعتذر بكل حيلة لنفسه وربما يحتاج إلى أن يكذب في تغطية عيبه .
وعساه يؤثر بالكرامة والمراعاة من اعتقد فيه الزهد والورع وإن كان قد اعتقد فيه فوق قدره وينبو قلبه عمن عرف حد فضله وورعه وإن كان ذلك على وفق حاله وعساه يؤثر بعض أصحابه على بعض وهو يرى أنه يؤثره لتقدمه في الفضل والورع وإنما ذلك لأنه أطوع له وأتبع لمراده وأكثر ثناء عليه وأشد إصغاء إليه وأحرص على خدمته ولعلهم يستفيدون منه ويرغبون في العلم وهو يظن أن قبوهم له لإخلاصه وصدقه وقيامه بحق علمه فيحمد الله تعالى على ما يسر على لسانه من منافع خلقه ويرى أن ذلك مكفر لذنوبه ولم يتفقد مع نفسه تصحيح النية فيه .
وعساه لو وعد بمثل ذلك الثواب في إيثاره الخمول والعزلة وإخفاء العلم لم يرغب فيه لفقده في العزلة ولاختفاء لذة القبول وعزة الرياسة ولعل مثل هذا هو المراد بقول الشيطان من زعم من بني آدم أنه بعلمه امتنع مني فبجهله وقع في حبائلي .
وعساه يصنف ويجتهد فيه ظانا أنه يجمع علم الله لينتفع به وإنما يريد به استطارة اسمه بحسن التصنيف فلو ادعى مدع تصنيفه ومحا عنه اسمه ونسبه إلى نفسه ثقل عليه ذلك مع علمه بأن ثواب الاستفادة من التصنيف إنما يرجع إلى المصنف والله يعلم بأنه هو المصنف لا من ادعاه ولعله في تصنيفه لا يخلو من الثناء على نفسه إما صريحا بالدعاوي الطويلة العريضة وإما ضمنا بالطعن في غيره ليستبين من طعنه في غيره أنه أفضل ممن طعن فيه وأعظم منه علما ولقد كان في غنية عن الطعن فيه ولعله يحكي من الكلام المزيف ما يزيد تزييفه فيعزيه إلى قائله وما يستحسنه فلعله لا يعزيه إليه ليظن أنه من كلامه فينقله بعينه كالسارق له أو يغيره أدنى تغيير كالذى يسرق قميصا فيتخذه قباء حتى لا يعرف أنه مسروق ولعله يجتهد في تزيين ألفاظه وتسجيعه وتحسين نظمه كيلا ينسب إلى الركاكة ويرى أن غرضه ترويج الحكمة وتحسينها وتزيينها ليكون أقرب إلى نفع الناس .
وعساه غافلا عما روى أن بعض الحكماء وضع ثلثمائة مصحف في الحكمة فأوحى الله إلى نبي زمانه قل له قد ملأت الأرض نفاقا وإني لا أقبل من نفاقك شيئا .
ولعل جماعة من هذا الصنف من المغترين إذا اجتمعوا ظن كل واحد بنفسه السلامة عن عيوب القلب وخفاياه فلو افترقوا واتبع كل واحد منهم فرقة من أصحابه نظر كل واحد إلى كثرة من يتبعه وأنه أكثر تبعا أو غيره فيفرح إن كان أتباعه أكثر وإن علم أن غيره أحق بكثرة الأتباع منه ثم إذا تفرقوا واشتغلوا بالإفادة تغايروا وتحاسدوا ولعل من يختلف إلى واحد منهم إذا انقطع عنه إلى غيره ثقل على قلبه ووجد في نفسه نفرة منه فبعد ذلك لا يهتز باطنه لإكرامه ولا يتشمر لقضاء حوائجه كما كان يتشمر من قبل ولا يحرص على الثناء عليه كما أثنى مع علمه بأنه مشغول بالاستفادة ولعل التحيز منه إلى فئة أخرى كان أنفع له في دينه لآفة من الآفات كانت تلحقه في هذه الفئة وسلامته عنها في تلك الفئة ومع ذلك لا تزول النفرة عن قلبه ولعل واحدا منهم إذا تحركت فيه مبادئ الحسد لم يقدر على إظهاره فيتعلل بالطعن في دينه وفي ورعه ليحمل غضبه على ذلك ويقول إنما غضبت لدين الله لا لنفسي .
ومهما