وقال A أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه // حديث أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله تعالى بعلمه تقدم فيه .
فهذا وأمثاله مما أوردناه في كتاب العلم في باب علامة علماء الآخرة أكثر من أن يحصى إلا أن هذا فيما لا يوافق هوى العالم الفاجر وما ورد في فضل العلم يوافقه فيميل الشيطان قلبه إلى ما يهواه وذلك عين الغرور فإنه إن نظر بالبصيرة فمثاله ما ذكرناه وإن نظر بعين الإيمان فالذي أخبره بفضيلة العلم هو الذي أخبره بذم العلماء السوء وأن حالهم عند الله أشد من حال الجهال .
فبعد ذلك اعتقاده أنه على خير مع تأكد حجة الله عليه غاية الغرور .
وأما الذي يدعي علوم المكاشفة كالعلم بالله وبصفاته وأسمائه وهو مع ذلك يهمل العمل ويضيع أمر الله وحدوده فغروره أشد ومثاله مثال من أراد خدمة ملك فعرف الملك وعرف أخلاقه وأوصافه ولونه وشكله وطوله وعرضه وعادته ومجلسه ولم يتعرف ما يحبه ويكرهه وما يغضب عليه وما يرضى به أو عرف ذلك إلا أنه قصد خدمته وهو ملابس لجميع ما يغضب به عليه وعاطل عن جميع ما يحبه من زي وهيئة وكلام وحركة وسكون فورد على الملك وهو يريد التقرب منه والاختصاص به متلطخا بجميع ما يكرهه الملك عاطلا عن جميع ما يحبه متوسلا إليه بمعرفته له ولنسبه واسمه وبلده وصورته وشكله وعادته في سياسة غلمانه ومعاملة رعيته .
فهذا مغرور جدا إذ لو ترك جميع ما عرفه واشتغل بمعرفته فقط ومعرفة ما يكرهه ويحبه لكان ذلك أقرب إلى نيله المراد من قربه والاختصاص به بل تقصيره في التقوى واتباعه للشهوات يدل على أنه لم ينكشف له من معرفة الله إلا الأسامي دون المعاني إذ لو عرف الله حق معرفته لخشيه واتقاه .
فلا يتصور أن يعرف الأسد عاقل ثم لا يتقيه ولا يخافه وقد أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام خفني كما تخاف السبع الضاري .
نعم من يعرف من الأسد لونه وشكله واسمه قد لا يخافه وكأنه ما عرف الأسد فمن عرف الله تعالى عرف من صفاته أنه يهلك العالمين ولا يبالي ويعلم أنه مسخر في قدرة من لو أهلك مثله آلافا مؤلفة وأبد عليهم العذاب أبد الآباد لم يؤثر ذلك فيه أثرا ولم تأخذه عليه رقة ولا اعتراه عليه جزع .
ولذلك قال تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء وفاتحة الزبور رأس الحكمة خشية الله وقال ابن مسعود كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار بالله جهلا .
واستفتى الحسن عن مسألة فأجاب فقيل له إن فقهاءنا لا يقولون ذلك فقال وهل رأيت فقيها قط الفقيه القائم ليلة الصائم نهاره الزاهد في الدنيا .
وقال مرة الفقيه لا يداري ولا يماري ينشر حكمة الله فإن قبلت منه حمد الله وإن ردت عليه حمد الله .
فإذن الفقيه من فقه عن الله أمره ونهيه وعلم من صفاته ما أحبه وما كرهه وهو العالم ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وإذا لم يكن بهذه الصفة فهو من المغرورين .
وفرقة أخرى أحكموا العلم والعمل فواظبوا على الطاعات الظاهرة وتركوا المعاصي إلا أنهم لم يتفقدوا قلوبهم ليمحوا الصفات المذمومة عند الله من الكبر والحسد والرياء وطلب الرياسة والعلاء وإرادة السوء للأقران والنظراء وطلب الشهرة في البلاء والعباد وربما لم يعرف بعضهم أن ذلك مذموم فهو مكب عليها غير متحرز عنها ولا يلتفت إلى قوله A أدنى الرياء شرك // حديث أدنى الرياء شرك تقدم في ذم الجاه والرياء .
وإلى قوله A لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر // حديث لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر تقدم غير مرة .
وإلى قوله A الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب // حديث الحسد يأكل الحسنات الحديث تقدم في العلم وغيره .
وإلى قوله A حب الشرف والمال ينبتان النفاق كما ينبت الماء البقل // حديث حب الشرف والمال ينبتان النفاق في القلب الحديث تقدم .
إلى