ونسوا فضل الله تعالى عليهم وقالوا لا نغلب اليوم من قلة // حديث قولهم يوم حنين لا نغلب اليوم من قلة أخرجه البيهقي في دلائل النبوة من رواية الربيع بن أنس مرسلا أن رجلا قال يوم حنين لن نغلب اليوم من قلة فشق ذلك على رسول الله A فأنزل الله D ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ولابن مردويه في تفسيره من حديث أنس لما التقوا يوم حنين أعجبتهم كثرتهم فقالوا اليوم نقاتل ففروا فيه الفرح بن فضالة ضعفه الجمهور .
وكلوا إلى أنفسهم فقال تعالى ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين .
روى ابن عيينة أن أيوب عليه السلام قال إلهي إنك ابتليتني بهذا البلاء وما ورد على أمر إلا آثرت هواك على هواي فنودي من غمامة بعشرة آلاف صوت .
يا أيوب أنى لك ذلك أي من أين لك ذلك قال فأخذ رمادا ووضعه على رأسه وقال منك يا رب منك يا رب فرجع من نسيانه إلى إضافة ذلك إلى الله تعالى .
ولهذا قال الله تعالى ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا وقال النبي A لأصحابه وهم خير الناس ما منكم من أحد ينجيه عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته // حديث ما منكم من أحد ينجيه عمله الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة .
ولقد كان أصحابه من بعده يتمنون أن يكونوا ترابا وتبنا وطيرا مع صفاء أعمالهم وقلوبهم فكيف يكون لذي بصيرة أن يعجب بعمله أو يدل به ولا يخاف على نفسه فإذن هذا هو العلاج القامع لمادة العجب من القلب .
ومهما غلب ذلك على القلب شغله خوف سلب هذه النعمة عن الإعجاب بها بل هو ينظر إلى الكفار والفساق وقد سلبوا نعمة الإيمان والطاعة بغير ذنب أذنبوه من قبل فيخاف من ذلك فيقول إن من لا يبالي أن يحرم من غير جناية ويعطى من غير وسيلة لا يبالي أن يعود ويسترجع ما وهب فكم من مؤمن قد ارتد ومطيع قد فسق وختم له بسوء وهذا لا يبقى معه عجب بحال والله تعالى أعلم .
بيان أقسام ما به العجب وتفصيل علاجه .
اعلم أن العجب بالأسباب التي بها يتكبر كما ذكرناه وقد يعجب بما لا يتكبر به كعجبه بالرأي الخطأ الذي يزين له بجهله .
فما به العجب ثمانية أقسام .
الأول أن يعجب ببدنه في جماله وهيئته وصحته وقوته وتناسب أشكاله وحسن صورته وحسن صوته وبالجملة تفصيل خلقته فيلتفت إلى جمال نفسه وينسى أنه نعمة من الله تعالى وهو بعرضة الزوال في كل حال وعلاجه ما ذكرناه في الكبر بالجمال وهو التفكر في أقذار باطنه وفي أول أمره وفي آخره وفي الوجوه الجميلة والأبدان الناعمة أنها كيف تمزقت في التراب وأنتنت في القبور حتى استقذرتها الطباع .
الثاني البطش والقوة كما حكي عن قوم عاد حين قالوا فيما أخبر الله عنهم من أشد منا قوة وكما اتكل عوج على قوته وأعجب بها فاقتلع جبلا ليطبقه على عسكر موسى عليه السلام فثقب الله تعالى تلك القطعة من الجبل بنقر هدهد ضعيف المنقار حتى صارت في عنقه وقد يتكل المؤمن أيضا على قوته كما روي عن سليمان عليه السلام أنه قال لأطوفن الليلة على مائة امرأة ولم يقل إن شاء الله تعالى فحرم ما أراد من الولد // حديث قال سليمان لأطوفن الليلة بمائة امرأة الحديث أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة .
وكذلك قول داود عليه السلام إن ابتليتني صبرت وكان إعجابا منه بالقوة فلما ابتلي بالمرأة لم يصبر .
ويورث العجب بالقوة الهجوم في الحروب وإلقاء النفس في التهلكة والمبادرة إلى الضرب والقتل لكل من قصده بالسوء وعلاجه ما ذكرناه وهو أن يعلم أن حمى يوم تضعف قوته وأنه إذا أعجب بها ربما سلبها الله تعالى بأدنى آفة يسلطها عليه