وبينه معرفة ولا محاسدة ولا حقد ولكن يمتنع من قبول الحق منه ولا يتواضع له في الاستفادة خيفة من أن يقول الناس إنه أفضل منه فيكون باعثه على التكبر عليه الرياء المجرد ولو خلا معه بنفسه لكان لا يتكبر عليه .
وأما الذي يتكبر بالعجب أو الحسد أو الحقد فإنه يتكبر أيضا عند الخلوة به مهما لم يكن معهما ثالث وكذلك قد ينتمي إلى نسب شريف كاذبا وهو يعلم أنه كاذب ثم يتكبر به على من ليس ينتسب إلى ذلك النسب ويترفع عليه في المجالس ويتقدم عليه في الطريق ولا يرضى بمساواته في الكرامة والتوقير وهو عالم باطنا بأنه لا يستحق ذلك ولا كبر في باطنه لمعرفته بأنه كاذب في دعوى النسب ولكن يحمله الرياء على أفعال المتكبرين وكأن اسم المتكبر إنما يطلق في الأكثر على من يفعل هذه الأفعال عن كبر في الباطن صادر عن العجب والنظر إلى الغير بعين الاحتقار وهو إن سمي متكبرا فلأجل التشبه بأفعال الكبر .
نسأل الله حسن التوفيق والله تعالى أعلم .
بيان أخلاق المتواضعين ومجامع ما يظهر فيه أثر التواضع والتكبر .
اعلم أن التكبر يظهر في شمائل الرجل كصعر في وجهه ونظره شزرا وإطراقه رأسه وجلوسه متربعا أو متكئا وفي أقواله حتى في صوته ونغمته وصيغته في الإيراد ويظهر في مشيته وتبختره وقيامه وجلوسه وحركاته وسكناته وفي تعاطيه لأفعاله وفي سائر تقلباته في أحواله وأقواله وأعماله .
فمن المتكبرين من يجمع ذلك كله ومنهم من يتكبر في بعض ويتواضع في بعض .
فمنها التكبر بأن يحب قيام الناس له أو بين يديه .
وقد قال علي كرم الله وجهه من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى رجل قاعد وبين يديه قوم قيام .
وقال أنس لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله A وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له لما يعلمون من كراهته لذلك // حديث أنس لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله A وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له الحديث تقدم في آداب الصحبة وفي أخلاق النبوة .
ومنها أن لا يمشي إلا ومعه غيره يمشي خلفه .
قال أبو الدرداء لا يزال العبد يزداد من الله بعدا ما مشى خلفه وكان عبدالرحمن بن عوف لا يعرف من عبيده إذ كان لا يتميز عنهم في صورة ظاهرة .
ومشى قوم خلف الحسن البصري فمنعهم وقال ما يبقى هذا من قلب العبد وكان رسول الله A في بعض الأوقات يمشي مع بعض الأصحاب فيأمرهم بالتقدم ويمشي في غمارهم // حديث كان في بعض الأوقات يمشي مع أصحاب فيأمرهم بالتقدم أخرجه منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي أمامة بسند ضعيف جدا أنه خرج يمشي إلى البقيع فتبعه أصحابه فوقف فأمرهم أن يتقدموا ومشى خلفهم فسئل عن ذلك فقال إني سمعت خفق نعالكم فأشفقت أن يقع في نفسي شيء من الكبر وهو منكر فيه جماعة ضعفاء .
إما لتعليم غيره أو لينفي عن نفسه وساوس الشيطان بالكبر والعجب كما أخرج الثوب الجديد في الصلاة وأبدله بالخليع لأحد هذين المعنيين // حديث إخراجه الثوب الجديد في الصلاة وإبداله بالخليع قلت المعروف نزع الشراك الجديد ورد الشراك الخلق أو نزع الخميصة وليس الأنبجانية وكلاهما تقدم في الصلاة .
ومنها أن لا يزور غيره وإن كان يحصل من زيارته خير لغيره في الدين وهو ضد التواضع .
روي أن سفيان الثوري قدم الرملة فبعث إليه إبراهيم بن أدهم أن تعال فحدثنا فجاء سفيان فقيل له يا أبا إسحاق تبعث إليه بمثل هذا فقال أردت أن أنظر كيف تواضعه .
ومنها أن يستنكف من جلوس غيره بالقرب منه إلا أن يجلس بين يديه والتواضع خلافه .
قال ابن وهب جلست إلى عبد العزيز بن أبي رواد فمس فخذي فخذه فنحيت نفسي عنه فأخذ ثيابي فجرني إلى نفسه وقال لي لم تفعلون بي