الجاه ومدح الخمول والذل مثل قولهم المؤمن لا يخلو من ذلة أو قلة أو علة .
وينظر في أحوال السلف وإيثارهم للذل على العز ورغبتهم في ثواب الآخرة Bهم أجمعين .
بيان وجه العلاج لحب المدح وكراهة الذم .
اعلم أن أكبر الناس إنما هلكوا بخوف مذمة الناس وحب مدحهم فصار حركاتهم كلها موقوفة على ما يوافق رضا الناس رجاء للمدح وخوفا من الذم وذلك من المهلكات فيجب معالجته وطريقة ملاحظة الأسباب التي لأجلها يحب المدح ويكره الذم .
أما السبب الأول فهو استشعار الكمال بسبب قول المادح فطريقك فيه أن ترجع إلى عقلك وتقول لنفسك هذه الصفة التي يمدحك بها أنت متصف بها أم لا فإن كنت متصفا بها فهي إما صفة تستحق بها المدح كالعلم والورع وإما صفة لا تستحق المدح كالثروة والجاه والأعراض الدنيوية فإن كانت من الأعراض الدنيوية فالفرح بها كالفرح بنبات الأرض الذي يصير على القرب هشيما تذروه الرياح وهذا من قلة العقل بل العاقل يقول كما قال المتنبي .
أشد الغم عندي في سرور ... تيقن عنه صاحبه انتقالا .
فلا ينبغي أن يفرح الإنسان بعروض الدنيا وإن فرح فلا ينبغي أن يفرح بمدح المادح بها بوجودها والمدح ليس هو سبب وجودها .
وإن كانت الصفة مما يستحق الفرح بها كالعلم والورع فينبغي أن لا يفرح بها لأن الخاتمة غير معلومة وهذا إنما يقتضي الفرح لأنه يقرب عند الله زلفى وخطر الخاتمة غير معلومة وهذا إنما يقتضى الفرح لأنه يقرب عند الله زلفى وخطر الخاتمةباق ففي الخوف من سوء الخاتمة شغل عن الفرح بكل ما في الدنيا بل الدنيا دار أحزان وغموم لا دار فرح وسرور ثم إن كنت تفرح بها على رجاء حسن الخاتمة فينبغي أن يكون فرحك بفضل الله عليك بالعلم والتقوى لا بمدح المادح فإن اللذة في استشعار الكمال والكمال موجود من فضل الله لا من المدح والمدح تابع له فلا ينبغي أن تفرح بالمدح والمدح لا يزيدك فضلا وإن كانت الصفة التي مدحت بها أنت خال عنها ففرحك بالمدح غاية الجنون ومثالك مثال من يهزأ به إنسان ويقول سبحان الله ما أكثر العطر الذي في أحشائه وما أطيب الروائح التي تفوح منه إذا قضى حاجته وهو يعلم ما تشتمل عليه أمعاؤه من الأقذار والأنتان ثم يفرح بذلك فكذلك إذا أثنوا عليك بالصلاح والورع ففرحت به والله مطلع على خبائث باطنك وغوائل سريرتك وأقذار صفاتك كان ذلك من غاية الجهل فإذا المادح إن صدق فليكن فرحك بصفتك التي هي من فضل الله عليك وإن كذب فينبغي أن يغمك ذلك ولا تفرح به .
وأما السبب الثاني وهو دلالة المدح على تسخير قلب المادح وكونه سببا لتسخير قلب آخر فهذا يرجع إلى حب الجاه والمنزلة في القلوب وقد سبق وجه معالجته وذلك بقطع الطمع عن الناس وطلب المنزلة عند الله وبأن تعلم أن طلبك المنزلة في قلوب الناس وفرحك به يسقط منزلتك عند الله فكيف تفرح به .
وأما السبب الثالث وهو الحشمة التي اضطرت المادح إلى المدح فهو أيضا يرجع إلى قدرة عارضة لإثبات لها ولا تستحق الفرح بل ينبغي أن يغمك مدح المادح وتكرهه وتغضب به كما نقل ذلك عن السلف لأن آفة المدح على الممدوح عظيمة كما ذكرناه في كتاب آفات اللسان قال بعض السلف من فرح بمدح فقد مكن الشيطان من أن يدخل في بطنه .
وقال بعضهم إذا قيل لك نعم الرجل أنت فكان أحب إليك من أن يقال لك بئس الرجل أنت فأنت والله بئس الرجل .
وروي في بعض الأخبار فإن صح فهو قاصم للظهور