الكبيرة التاسعة و العشرون : أن يقتل الإنسان نفسه .
قال الله تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما * ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا } .
قال الواحدي في تفسير هذه الآية : و لا تقتلوا أنفسكم أي لا يقتل بعضكم بعضا لأنكم أهل دين واحد فأنتم كنفس واحدة هذا قول ابن عباس و الأكثرين و ذهب قوم إلى أن هذا النهي عن قتل الإنسان نفسه و يدل على صحة هذا ما أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد المنصوري بإسناده عن عمرو بن العاص قال : احتلمت في ليلة باردة و أنا في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت فصليت بأصحابي الصبح فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا عمرو صليت بأصحابك و أنت جنب ؟ فأخبرته الذي منعني من الإغتسال فقلت أني سمعت الله يقول : { و لا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما } فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم و لم يقل شيئا فدل هذا الحديث على أن عمرو تأول هذه الآية هلاك نفسه لا نفس غيره و لم ينكر ذلك عليه النبي صلى الله عليه و سلم قوله { و من يفعل ذلك } كان ابن عباس يقول : الإشارة تعود إلى كل ما نهى عنه من أول السورة إلى هذا الموضع و قال قوم الوعيد راجع إلى أكل المال بالباطل و قتل النفس المحرمة و قوله تعالى : { عدوانا و ظلما } مع العدوان أن يعدو ما أمر الله به { و كان ذلك على الله يسيرا } أي أنه قادر على إيقاع ما توعد به من إدخال النار و عن جندب بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكينا فحذ بها يده فما رقأ الدم حتى مات قال الله تعالى : بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة ] مخرج في الصحيحين و [ عن أبي هريرة Bه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا فيها أبدا و من قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا و من نزل من جبل فقتل نفسه فهو ينزل في نار جهنم خالدا فيها أبدا ] مخرج في الصحيحين و في حديث ثابت بن الضحاك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لعن المؤمن كقتله و من قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله و من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة ] و في الحديث الصحيح [ عن الرجل الذي آلمته الجراح فاستعجل الموت فقتل نفسه بذباب سيفه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هو من أهل النار ] فنسأل الله أن يلهمنا رشدنا و أن يعيذنا من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا إنه جواد كريم غفور رحيم .
( موعظة ) ابن آدم كيف تظن أعمالك مشيدة و أنت تعلم أنها مكيدة ؟ و كيف تترك معاملة المولى و تعلم أنها مفيدة ؟ و كيف تقصر في زادك و قد تحققت أن الطريق بعيدة ؟ يا معرضا عنا إلى متى هذا الجفا و الإعراض ؟ يا غافلا عن الموت و العمر لا شك في انقراض يا مغترا في أمله و أيدي المنايا في أجله تقرضه بمقراض يا مغرورا بصحته و بدنه كل يوم في انتقاص يا من يفني كل يوم بعضه ستفنى و الله الأبعاض يا غافلا عن الزاد و قد أنذره بعد السواد البياض يا قليل الإحتراس و نبل المنايا طوال عراض يا من يساق إلى موارد التلف و قد نزحت الحياض يا ضاحكا و عيون الفنا غير غماض لمن هذه الأوقات بين يديه كيف يقدر جفنه على الأغماض !