الكبيرة السابعة و العشرون : المكاس .
و هو داخل في قول الله تعالى : { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس و يبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم } .
و المكاس من أكبر أعوان الظلمة بل هو من الظلمة أنفسهم فإنه يأخذ ما لا يستحق و يعطيه لمن لا يستحق و لهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ المكاس لا يدخل الجنة ] و قال صلى الله عليه و سلم : لا يدخل الجنة صاحب مكس [ رواه أبو داود و ما ذاك إلا لأنه يتقلد مظالم العباد و من أين للمكاس يوم القيامة أن يؤدي للناس ما أخذ منهم ؟ إنما يأخذون من حسناته إن كان له حسنات ! و هو داخل في قول النبي صلى الله عليه و سلم : ] أتدرون من المفلس قالوا يا رسول الله المفلس فينا من لا درهم له و لا متاع إن المفلس من أمتي من يأتي بصلاة و زكاة و صيام و حج و يأتي و قد شتم هذا و ضرب هذا و أخذ مال هذا فيؤخذ لهذا من حسناته و هذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار [ .
و في حديث المرأة التي طهرت نفسها بالرجم : لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له أو لقبلت منه و المكاس من فيه شبه من قاطع الطريق و هو من اللصوص و جابي المكس و كاتبه و شاهده و آخذه من جندي و شيخ و صاحب رواية شركاء في الوزر آكلون للسحت و الحرام و صح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ] لا يدخل الجنة لحم نبت من السحت النار أولى به [ و السحت : كل حرام قبيح الذكر يلزم منه العار .
و ذكره الواحدي C في تفسير قول الله تعالى : { قل لا يستوي الخبيث و الطيب } و عن جابر أن رجلا قال : يا رسول الله إن الخمر كانت تجارتي و إني جمعت من بيعها مالا فهل ينفعني ذلك المال إن عملت فيه بطاعة الله تعالى ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ] إن أنفقته في حج أو جهاد أو صدقة لم يعدل عند الله جناح بعوضة إن الله لا يقبل إلا الطيب فأنزل الله تعالى تصديقا لقول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : .
{ قل لا يستوي الخبيث و الطيب و لو أعجبك كثرة الخبيث } .
قال عطاء و الحسن : الحلال و الحرام فنسأل الله العفو و العافية .
موعظة : أين من حصن الحصون المشيدة و احترس و عمر الحدائق فبالغ و غرس و نصب لنفسه سرير العز و جلس و بلغ المنتهى و رأى الملتمس و ظن في نفسه البقاء و لكن خاب الظن في النفس أزعجه و الله هازم اللذات و اختلس و نازله بالقهر فأنزله عن الفرس و وجه به إلى دار البلاء فانطمس و تركه في ظلام ظلمة من الجهل و الدنس فالعاقل من أباد أيامه فإن العواقب في خلس ينظر : .
( تبني و تجمع و الآثار تندرس ... و تأمل اللبث و الأعمار تختلس ) .
( ذا اللب فكر فما في العيش من طمع ... لا بد ما ينتهي أمر و ينعكس ) .
( أين الملوك و أبناء الملوك و من ... كانوا إذا الناس قاموا هيبة جلسوا ) .
( و من سيوفهم في كل معترك ... تخشى و دونهم الحجاب و الحرس ) .
( أضحكوا بمهلكة في وسط معركة .
... صرعى و صاروا ببطن الأرض و انطمسوا ) .
( و عمهم حدث و ضمهم جدث ... بأتوافهم جثث في الرمس قد حبسوا ) .
( كأنهم قط ما كانوا و ما خلقوا ... و مات ذكرهم بين الورى و نسوا ) .
( و الله لو عاينت عيناك ما صنعت ... أيدي البلا بهم و الدود يفترس ) .
( لعاينت منظرا تشجى القلوب له ... و أبصرت منكرا من دونه البلس ) .
( من أوجه ناضرات حار ناظرها ... في رونق الحسن منها كيف ينطمس ) .
( و أعظم باليات ما بها رمق ... و ليس تبقى لهذا و هي تنتهس ) .
( و السن ناطقات زانها أدب ... ما شأنها شأنها بالافة الخرس ) .
( حتام يا ذا النهي لا ترعوي سفها ... و دمع عينيك لا يهمي و ينبجس ) .
موعظة : يا من يرحل في كل يوم مرحلة و كتابه قد حوى حتى الخردلة ما ينتفع بالنذير و النذر متصلة و لا يصغي إلى ناصح و قد عذله و دروعه مخرقه و السهام مرسلة و نور الهدى قد بدا و لكن ما رآه و لا تأمله و هو يؤمل البقا و يرى مصير من قد أمله قد انعكف بعد الشيب على العيب بصبابة و وله كن كيف شئت فبين يديك الحساب و الزلزلة و نعم جلدك فلا بد للديدان أن تأكله .
فيا عجبا من فتور مؤمن موقن بالجزاء و المسألة استيقن من غرور وبله و يحك يا هذا من استدعاك و فتح منزله فقد أولاك لو علمت منزله فبادر ما بقي من عمرك و استدرك أوله فبقية عمر المؤمن جوهرة قيمة