الكبيرة الثانية عشرة : الربا .
قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة و اتقوا الله لعلكم تفلحون } و قال الله تعالى : { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } أي لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم الذي قد مسه الشيطان و صرعه { ذلك } أي ذلك الذي أصابهم { بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا } .
أي حلالا فاستحلوا ما حرم الله فإذا بعث الله الناس يوم القيامة خرجوا مسرعين إلا أكلة الربا فإنهم يقومون و يسقطون كما يقوم المصروع كلما قام صرع لأنهم لما أكلوا الربا الحرام في الدنيا أرباه الله في بطونهم حتى أثقلهم يوم القيامة فهم كلما أردوا النهوض سقطوا و يريدون الإسراع مع الناس فلا يقدرون .
و قال قتادة : إن آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا و ذلك علم لأكلة الربا فهم به أهل الموقف و [ عن أبي سعيد الخدري Bه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لما أسري بي مررت بقوم بطونهم بين أيديهم كل رجل منهم بطنه مثل البيت الضخم قد مالت بهم بطونهم منضدين على سابلة آل فرعون و آل فرعون يعرضون على النار غدوا و عشيا قال فيقبلون مثل الإبل المنهزمة لا يسمعون و لا يعقلون فإذا أحس بهم أصحاب تلك البطون قاموا فتميل بطونهم فلا يستطيعون أن يبرحوا حتى يغشاهم آل فرعون فيردونهم مقبلين و مدبرين فذلك عذابهم في البرزخ بين الدنيا و الآخرة قال صلى الله عليه و سلم : فقلت يا جبريل من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ] .
و في رواية قال : [ لما عرج بي سمعت في السماء السابعة فوق رأسي رعدا و صواعق و رأيت رجالا بطونهم بين أيديهم كالبيوت فيها حيات و عقارب ترى من ظاهر بطونهم فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ فقال : فقال هؤلاء أكلة الربا ] .
و روي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه : إذا ظهر الزنا و الربا في قرية أذن الله بهلاكها و عن عمر مرفوعا : إذا ضن الناس بالدينار و الدرهم و تبايعوا بالعينة و تتبعوا أذناب البقر و تركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بلاء فلا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم و قال صلى الله عليه و سلم : [ ما ظهر في قوم الربا إلا ظهر فيهم الجنون و لا ظهر في قوم الزنا إلا ظهر فيهم الموت و ما بخس قوم الكيل و الوزن إلا منعهم الله القطر ] .
و جاء في حديث فيه طول : أن آكل الربا يعذب من حين يموت إلى يوم القيامة بالسباحة في النهر الأحمر الذي هو مثل الدم و يلقم الحجارة و هو المال الحرام الذي جمعه في الدنيا يكلف المشقة فيه و يلقم حجارة من نار كما ابتلع الحرام الذي جمعه في الدنيا هذا العذاب له في البرزخ قبل يوم القيامة مع لعنة الله له كما صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ أربعة حق على الله أن لا يدخلهم الجنة و لا يذيقهم نعيمها : مدمن الخمر و آكل الربا و آكل مال اليتيم بغير حق و العاق لوالديه إلا أن يتوبوا ] .
و قد ورد أن أكلة الربا يحشرون في صورة الكلاب و الخنازير من أجل حيلتهم على أكل الربا كما مسخ أصحاب السبت حين تحيلوا على إخراج الحيتان التي نهاهم الله عن اصطيادها يوم السبت فحفروا لها حياضا تقع فيها يوم السبت فيأخذونها يوم الأحد فلما فعلوا ذلك مسخهم الله قردة و خنازير و هكذا الذين يتحيلون على الربا بأنواع الحيل فإن الله لا تخفى عليه حيل المحتالين قال أيوب السختياني : يخادعون الله كما يخادعون صبيا و لو أتوا الأمر عيانا كان أهون عليهم و قال صلى الله عليه و سلم : [ الربا سبعون بابا أهونها مثل أن ينكح الرجل أمه و أن أربي الربا استطالة الرجل في عرض أخيه المسلم ] فصح أنه باب من أعظم أبواب الربا .
و [ عن أنس قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر الربا و عظم شأنه فقال : الدرهم الذي يصيبه الرجل من الربا أشد من ست و ثلاثين زنية في الإسلام ] و عنه صلى الله عليه و سلم قال : [ الربا سبعون حوبا أهونها كوقع الرجل على أمه و في رواية أهونها كالذي ينكح أمه ] و الحوب : الإثم .
و عن أبي بكر الصديق Bه قال : الزائد و المستزيد في النار ـ يعني الآخذ و المعطي فيه سواء نسأل الله العافية .
فصل : عن ابن مسعود Bه قال : إذا كان لك على رجل دين فأهدى لك شيئا فلا تأخذه فإنه ربا و قال الحسن C : إذا كان لك على رجل دين فما أكلت من بيته فهو سحت و هذا من قوله صلى الله عليه و سلم : [ كل قرض جر نفعا فهو ربا ] و قال ابن مسعود أيضا : من شفع لرجل شفاعة فأهدى إليه هدية فهي سحت و تصديقه من قوله صلى الله عليه و سلم : [ من شفع لرجل شفاعة فأهدى له عليها فقبلها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا ] أخرجه أبو داود فنسأل الله العفو و العافية في الدين الدنيا و الآخرة