أي لما أقمنا عليهم الحجة وأنزلنا الكتاب على رسولنا المرسل إليهم فلم ينفعهم ذلك ولم يرجعوا به عن غوايتهم فما بقي بعد هذا إلا أنهم 158 - { ينظرون } أي ينتظرون { أن تأتيهم الملائكة } أي ملائكة الموت لقبض أرواحهم وعند ذلك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل { أو يأتي ربك } يا محمد كما اقترحوه بقولهم : { لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا } وقيل معناه : أو يأتي أمر ربك بإهلاكهم وقيل المعنى : أو يأتي كل آيات ربك بدليل قوله : { أو يأتي بعض آيات ربك } وقيل : هو من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله وقد جاء في القرآن حذف المضاف كثيرا كقوله { واسأل القرية } وقوله : { وأشربوا في قلوبهم العجل } أي حب العجل وقيل : إتيان الله مجيئه يوم القيامة لفصل القضاء بين خلقه كقوله : { وجاء ربك والملك صفا صفا } قوله : { يوم يأتي بعض آيات ربك } قرأ ابن عمر وابن الزبير { يوم تأتي } بالفوقية وقرأ الباقون بالتحتية قال المبرد : التأنيث على المجاورة لمؤنث لا على الأصل ومنه قول جرير : .
( لما أتى خبر الزبير تواضعت ... سور المدينة والجبال الخشع ) .
وقرأ ابن سيرين : لا تنفع بالفوقية قال أبو حاتم : إن هذا غلط عن ابن سيرين وقد قال الناس في هذا شيء دقيق من النحو ذكره نفطويه وذلك أن الإيمان والنفس كل واحد منهما مشتمل على الآخر فأنث الإيمان إذ هو من النفس قال النحاس : وفيه وجه آخر وهو أن يؤنث الإيمان لأنه مصدر كما يذكر المصدر المؤنث مثل { فمن جاءه موعظة من ربه } معنى { يوم يأتي بعض آيات ربك } يوم يأتي الآيات التي اقترحوها وهي التي تضطرهم إلى الإيمان { لا ينفع نفسا إيمانها } أو ما هو أعم من ذلك فيدخل فيه ما ينتظرونه وقيل : هي الآيات التي هي علامات القيامة المذكورة في الأحاديث الثابتة عن رسول الله A فهي التي إذا جاءت لا ينفع نفسا إيمانها قوله : { لم تكن آمنت من قبل } أي من قبل إتيان بعض الآيات فأما التي قد كانت آمنت من قبل مجيء بعض الآيات فإيمانها ينفعها وجملة { لم تكن آمنت من قبل } في محل نصب على أنها صفة نفسا قوله : { أو كسبت في إيمانها خيرا } معطوف على { آمنت } والمعنى : أنه لا ينفع نفسا إيمانها عند حضور الآيات متصفة بأ ها لم تكن آمنت من قبل أو آمنت من قبل ولكن لم تكسب في إيمانها خيرا فحصل من هذا أنه لا ينفع إلا الجمع بين الإيمان من قبل مجيء بعض الآيات مع كسب الخير في الإيمان فمن آمن من قبل فقط ولم يكسب خيرا في إيمانه أو كسب خيرا ولم يؤمن فإن ذلك غير نافعه وهذا التركيب هو كقولك : لا أعطي رجلا اليوم أتاني لم يأتني بالأمس أو لم يمدحني في إتيانه إلي بالأمس فإن المستفاد من هذا أنه لا يستحق العطاء إلا رجل أتاه بالأمس ومدحه في إتيانه إليه بالأمس ثم أمره الله سبحانه أن يقول لهم : انتظروا ما تريدون إتيانه إنا منتظرون له وهذا تهديد شديد ووعيد عظيم وهو يقوي ما قيل في تفسير { يوم يأتي بعض آيات ربك } أنها الآيات التي اقترحوها من إتيان الملائكة وإتيان العذاب لهم من قبل الله كما تقدم بيانه .
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة } قال : عند الموت { أو يأتي ربك } قال : يوم القيامة وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في تفسير الآية مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل { أو يأتي ربك } قال : يوم القيامة في ظلل من الغمام وأخرج أحمد وعبد بن حميد في مسنده والترمذي وأبو يعلى وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري عن النبي A في قوله : { يوم يأتي بعض آيات ربك } قال : طلوع الشمس من مغربها قال الترمذي : غريب ورواه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن أبي سعيد موقوفا وأخرجه الطبراني وابن عدي وابن مردويه من حديث أبي هريرة مرفوعا وأخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد ونعيم بن حماد والطبراني عن ابن مسعود موقوفا فإذا ثبت رفع هذا التفسير النبوي من وجه صحيح لا قادح فيه فهو واجب التقديم له متحتم الأخذ به ويؤيده ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة قال : قال رسول الله A : [ لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها ثم قرأ الآية ] وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن أبي ذر مرفوعا نحوه وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس مرفوعا نحوه أيضا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله : { أو كسبت في إيمانها خيرا } يقول : كسبت في تصديقها عملا صالحا هؤلاء أهل القبلة وإن كانت مصدقة لم تعمل قبل ذلك خيرا فعملت بعد أن رأت الآية لم يقبل منها وإن عملت قبل الآية خيرا ثم عملت بعد الآية خيرا قبل منها وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل في قوله : { أو كسبت في إيمانها خيرا } قال : يعني المسلم الذي لم يعمل في إيمانه خيرا وكان قبل الآية مقيما على الكبائر والآيات التي هي علامات القيامة قد وردت الأحاديث المتكاثرة في بيانها وتعدادها وهي مذكورة في كتب السنة